إيران: خامنئي الفائز الحقيقي

TT

نجح مرشد الثورة الايرانية آية الله علي خامنئي في الإطاحة بطموحات هاشمي رفسنجاني، والإتيان برئيس بلدية طهران محمود أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية. والهزيمة الساحقة التي لحقت برفسنجاني، والمفاجأة التي اذهلت العالم، يمكن تفسيرها بأنها إذلال ما توقعه إطلاقاً رفسنجاني، الذي خاض حملته الانتخابية بأن كشف عن رأسه كدليل استعداده لإجراء تغييرات جذرية، عندما سيفوز.. أظهرت نتائج الانتخابات الاخيرة أمرين: أن رجال الدين المتشددين ينوون التحكم في سلطات مطلقة، وأن رفسنجاني سقط، في هذه المرحلة، من دائرة المرضي عنهم.

هذا لا يعني، ان الصدمة التي أُصيب بها، سوف تدفع برفسنجاني الى الاستقالة من الحياة السياسية، إذ أنه يبقى عضواً اساسياً في الهرم السياسي الايراني، فقد بدأ ومنذ فترة يتحول باتجاه جناح الوسط، مبتعداً عن المتشددين من رجال الدين غير المنتخبين، من دون ان يجرؤ على الاندماج الكلي وتبني طروحات الإصلاحيين. وفي محاولته المحافظة على نفوذه لدى الجانبين، الاصولي والاصلاحي، أنتجت مناوراته طرفاً ثالثاً، صار يُعرف بـ«المحافظ التقليدي»، الذي ا ختار ما يناسبه من طروحات الطرفين الآخرين.

قد لا تكون دعوات رفسنجاني الى منح بعض الاصلاحات المحدودة على صعيد الحريات الاجتماعية، هي التي أثارت غضب الأئمة عليه، ذلك انهم هم، وخلال السنوات الاخيرة، شجعوا على التخفيف من تطبيق بعض القوانين المتشددة، وصرنا نرى شابات يخضن سباقات السيارات، وتظهر صورهن بشعر نصف مخفي، وآخر تصاميم النظارات الشمسية على عيونهن، وغاب عن الكثير من الشابات وضع العباءة السوداء فوق الجينز والتيـ شيرت. من المحتمل ان يكون رفسنجاني تجاوز الخطوط الحمر، عندما كرر في تصريحات صحافية انه سيبذل كل ما يلزم من الجهد، من أجل تحقيق تقارب مع واشنطن، معتمدا على تغيير في موقف واشنطن من طهران، وبالطبع على تغيير ايضاً من قبل طهران. إن الموقف من التقارب والدعوة الى اصلاحات سياسية، ربما اثارا ريبة رجال الدين، ومسؤولي المؤسسات التي يسيطرون عليها، فجاء انقلاب خامنئي على رفسنجاني، بعد اتفاق بينهما قبل ان يقرر الاخير ترشيح نفسه، الامر الذي أدى الى رئاسة احمدي نجاد.

ركز احمدي نجاد على الوضع الاقتصادي للشعب الايراني، وقد كان خاض حملته على وعود في إعادة توزيع الثروة خصوصاً النفطية. والمعروف أن الهوة بين الأغنياء والفقراء في إيران تزداد اتساعا، فبعد الثورة الايرانية انتشرت شعارات مماثلة لتقليص الهوة ، لكن خلال السنوات العشر الأخيرة، وأثناء مرحلة البناء بعد انتهاء الحرب العراقية- الايرانية، وبدء رئاسة رفسنجاني، ازدادت الهّوة بين الفقراء والأغنياء، ويبدو ان نسبة الفساد التي انتشرت مع مرحلة البناء ، ساعدت احمدي نجاد على الحصول على دعم أغلبية ابناء الريف الايراني والفقراء بالذات. ومن الواضح أن عائدات النفط الإيراني لا تصب كلها لمصلحة القطاع العام، وسيبدأ احمدي نجاد رئاسته وأسعار النفط مرتفعة أكثر مما خمّنت الميزانية الإيرانية. وحسب اقتصادي إيراني ، فإن فائض عائدات النفط صب في ما يُسمى بـ«صندوق نفطي»، صار يحتوي على عائدات احتياطيي ستة أشهر، مما يعني أن احمدي نجاد قادر إذا سُمح له، بتطبيق بعض ما وعد به، من رفع مستوى الأجور وتوفير الضمان الصحي.. لكن المشكلة هنا، هي أن هذه الطروحات لا تعالج مشاكل إيران الاساسية مثل عدم توفر الكفاءة، وعدم قدرة إيران على المنافسة في الاقتصاد العالمي، وعدم امتلاكها التقنية الاساسية، كما انه ليس معروفاً ما سيحدث إذا ما انخفضت أسعار النفط بعد سنة!

يلفتني صحافي إيراني الى ان أحمدي نجاد جزء من المؤسسة الحاكمة، فإذا أصر على تطبيق سياسته فهو مضطر لتفكيك الجمهورية الإسلامية «لقد تكلم عن إعادة توزيع الثروة، في حين أن المجموعة التي تدعمه سيطرت على الكثير من هذه الثروة لمصلحتها الخاصة، ويضيف محدثي: أن أحداً لا يعرف كيف سيحقق برنامجه، لقد التزم بإعادة توزيع الثروة والقضاء على الفساد، وبهذا رفع احتمالات الحرب الطبقية في إيران.

هناك من يستبعد ان ينجح أحمدي نجاد في تحقيق ولو جزء من وعوده الاقتصادية، خصوصاً اذا بدأت الرساميل الإيرانية في الهروب من طهران بسبب التخوف من تضاعف التهديدات الخارجية لإيران ، كردة فعل على التوجه المتشدد الجديد لآية الله خامنئي. في هذه الحالة، فإن كل آمال الشباب الإيراني وتوقعاته ستصاب بإحباط وسيساهم هذا أكثر في تآكل شرعية الحكم الجديد.

طرح آخر شدد عليه أحمدي نجاد، وهو إقامة دولة إسلامية تكون نموذجا للنظام الاسلامي الجديد، وكان أول ما قام به بعد فوزه، زيارة ضريح آية الله الخميني. إن إحياء اسس ومبادئ الثورة الإسلامية ، وآيديولوجية الحنين التي عبر عنها احمدي نجاد، يشير الى رغبته في إعادة عقارب الساعة الى الوراء ، بمعنى الاستمتاع بفعل «تصدير الثورة» ، وهذا ما اخذته على إيران الثورة، الدول الاسلامية والدول المجاورة، فإذا اراد أحمدي نجاد استرجاع الماضي، ربما لإشغال الإيرانيين بقضية جديدة تنسيهم الواقع الاقتصادي الأليم ، فإن كل الجسور التي بنيت مع هذه الدول، من جسور ثقة، وتعاون تجاري وأمني وحسن جوار ستتزعزع.

هناك من يذهب في تخوفاته الى أبعد من هذا ويرى ان فوز أحمدي نجاد سينعكس اكثر في العراق، ويرى هؤلاء ان إيران يمكن أن تحصد منافع سياسية اكثر في العراق، لاسيما مع تقوية الإدارة الأميركية للشيعة العراقيين عسكرياً، على أساس ان يهزموا التمرد السنّي، وبين من يحكم العراق اليوم ، ابراهيم الجعفري من حزب الدعوة، الذي نشط في المنفى في ايران منذ الحرب العراقية- الإيرانية، وخلال مؤتمر صحافي عقده في 18 ايار (مايو) الماضي مع وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي، قال الجعفري ، باللغة الانجليزية في حديثه عن الوجود العسكري الاميركي، 138 الف جندي، « دعوني أُضيف، بأن الفريق الذي سيغادر العراق هو الولايات المتحدة، لأنها في النهاية ستغادر، أما الطرف الذي سيبقى مع العراقيين فإنه ايران جارة العراق».

وكانت الولايات المتحدة وصفت نتائج الانتخابات في ايران بالمزورة، والرئيس الجديد بأنه ليس صديقاً للديمقراطية، وهو لم يخف ذلك إذ قال: «إن إيران لم تقم بثورتها من أجل الديمقراطية». على كل رحّب البعض في واشنطن بهذه النتائج لأنها ستقضي على كل الادعاءات والمماطلات الإيرانية، في حين يرى البعض الآخر بأن على واشنطن أن تكّثف من التنسيق مع الاتحاد الأوروبي وبالذات المانيا، وبريطانيا وفرنسا، لأنه إذا ما حدث اي اختلاف بينها حول المسألة النووية الإيرانية، فإن ايران وبكل ذكاء ستحاول العبور من ذلك الشرخ . وهذا الوضع لن يطول اذ أن الاجتماعات سوف تُستأنف في اواخر الشهر المقبل. وكان لوحظ انه في الأشهر الآخيرة من حكم خاتمي ضاعفت واشنطن من الضغوط على طهران ، وتحدث عدد من كبار أعضاء الإدارة الاميركية عن تغيير النظام ، فهل سيستمر هذا التوجه؟ يقول محدثي الأميركي «علينا في الغرب، اي الولايات المتحدة واوروبا ، أن نتدرب على الاقتناع بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تختفي عن الوجود قريباً، مع العلم أنها جمهورية تعاني من اوضاع اجتماعية واقتصادية معقدة. قد يحدث في إيران الكثير في الأشهر او السنوات المقبلة، لكنني لا أتوقع إطلاقاً انهياراً للنظام، أو أن تسعى الجهود الأميركية الى تدميره.. »