البطبطة

TT

هناك من يقلب التاء طاء في بعض لهجاتنا، مثل إشارة طاكسي صغير في المغرب، أو أربعطاشر بدلا من أربعة عشر وهكذا، ويمكن تسمية هذه الظاهرة بالبطبطة على غرار ظاهرتي الكشكشة والكسكسة الصوتيتين اللتين تقلبان الكاف شينا والكاف سينا على التوالي.

عقدت في الأسبوع الماضي في بروكسل، ندوة عالمية عنوانها «بناء السلام، وهدم الإرهاب»، وقد نظمتها كتلة بتحالف الليبراليين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي بالتعاون مع مجموعة فورسايت الاستراتيجية الهندية. وقد شاركت في الندوة نسبة كبيرة من الدول العربية والإسلامية، وكانت السمة المتكررة في مشاركات العرب والمسلمين هي البطبطة، وهي قلب التاء طاء في كلمة But بالإنجليزية، فترى الواحد منهم يتكلم حول إدانته للإرهاب، ولكنه يتوقف ليواصل: «بط، بط، بط». وكان من بين حضور الندوة السيد عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، وقد تحدث السيد موسى عن الإرهاب رابطا بين الإصلاح في العالم العربي وحل القضية الفلسطينية وازدواجية المعايير الغربية. مما يذكر أن اليمين الصهيوني يربط مسألة السلام وحل الدولتين بتوقف كافة أنواع العنف ـ مقاومة كانت أو إرهابا.

والحق إن بعض المشاركين لم يكونوا من فريق البطبطة العربية، بل كانوا متوازنين وعقلانيين في طروحاتهم مثل سفير المملكة العربية السعودية في لندن، الأمير تركي الفيصل، الذي تحدث بتوازن عن ضرورة التفات العرب والمسلمين إلى ترتيب بيوتهم بدلا من إلقاء اللوم على الآخرين وتحميلهم كافة مشاكلنا وأخطائنا. كما تحدثت السيدة عليا البنداري من مصر أكثر من مرة بجرأة ووضوح في الرأي والموقف.

مناقشات الندوة تمحورت حول ورقة تقدمت بها مجموعة فورسايت الاستراتيجية ومقرها مدينة مومباي بالهند، وكانت ورقة محايدة ومتوازنة، وركزت في معظم تحليلها على الفصل بين الأديان وبين الإرهاب، واحتوت على معلومات مهمة ومثيرة في آن، فقد جاء أن عدد الهجمات الإرهابية التي جرت في العقد الماضي بلغ 20 ألف هجوم إرهابي، وأن نصيب أوروبا وأمريكا الشمالية من تلك الهجمات هو 20% فقط، وأن باقي الهجمات عانت منه الدول النامية. كما جاء أن ما نسبته 10% من تلك الهجمات كانت ذات طبيعة وبعد دوليين، بينما كان 90% من تلك الهجمات لأسباب داخلية بحتة.

وجاء في الورقة أيضا رصد 175 منظمة مارست الإرهاب، وقد كانت هذه القائمة مثار جدل بين المشاركين، لأن ما قد تراه إرهابا، قد يراه الآخرون نضالا أو جهادا مشروعا، ومن ثم آثر المشاركون تجنب هذه النقطة الخلافية لأن النقاش حولها سيكون عقيما.

وتغوص الورقة بروح البحث العلمي المتجردة في أسباب نشوء ظاهرة العنف والإرهاب المنظم، وتربط بينها وبين ظواهر كان الفقر أحدها، لكنه لم يكن رئيسيا بينها، وعلل مقدمو الورقة ذلك بأنه لو كان الفقر عنصرا متقدما في مسألة الإرهاب لكانت أفريقيا وأمريكا اللاتينية أكثر الدول ممارسة له. كان النقاش حول ورقة المجموعة مفيدا وجريئا، واستفاد منه المشاركون جميعا، عدا فريق أعمتهم البطبطة عن الاستفادة من محاور النقاش وإثرائه.