تيارات

TT

ما بين التصريحات والتعليقات الرسمية والمقابلات الاعلامية والمقالات الصحافية، كانت هناك تعليقات لثلاثة أفراد من اسرة واحدة على موضوع واحد، وكل تعليق يحمل طيفا ومغزى مختلفا يدل على التنوع والثراء الكامن في المجتمع السعودي بأسره.

والشخصيات المعنية، هنا هم الأمراء نايف بن عبد العزيز وسعود الفيصل وممدوح بن عبد العزيز، اذا تجردنا من النظر اليهم بصفتهم الرسمية، والتركيز على صفتهم كأعضاء اسرة واحدة في عائلة واحدة، ومن ثم النظر اليهم كأعضاء في الاسرة السعودية الواحدة الكبيرة كمجتمع.

وقد كان الموضوع المطروح هو قيادة المرأة للسيارة، حيث أكد الأمير نايف بن عبد العزيز في تصريح صحافي، أن قيادة المرأة للسيارة شأن اجتماعي يحسم أمره المجتمع، وقبل ذلك كان الأمير سعود الفيصل قد علق على هذا الشأن لوسيلة اعلامية ألمانية بقوله، انه شخصيا يؤيد قيادة المرأة للسيارة وانه لا يجد المبررات المناسبة المانعة لأمر كهذا، وان ذلك يصب في الصالح الاجتماعي، بعد ذلك جاءت مقالة مطولة للأمير ممدوح بن عبد العزيز يبدي فيها اعتراضه الشديد جدا على قيادة المرأة للسيارة، مستندا في طرحه الى وجه نظر ورؤية دينية للمسألة.

هكذا في فترة وجيزة تمكن المجتمع السعودي من سماع تعليقات ثلاثة أفراد من اسرة واحدة، مثلها مثل أي أسرة سعودية أخرى سيظهر فيها تباين الاراء وتنوعها في أية مسألة كانت.

وبغض النظر عن مسألة قيادة المرأة للسيارة، أو غيرها من الأمور، فمن الواضح أن هناك تطورا نوعيا ملحوظا في التيارات الاجتماعية بالسعودية، وأن ما كان يعرف ويوضح بالثوابت والمسلمات بات غير ذلك تماما اليوم، لأن خاصية ومعنى الثوابت والمسلمات نفسها تتبدل بشكل متواصل مع تغيرات عناصر الزمان والمكان وما يصاحب ذلك من علم وامكانيات واتساع وادراك.

وهناك ملفات مقبلة شديدة الوعورة تنتظر الطرح والتطرق اليها، وسيكون تحديا غير سهل ذلك الذي سيواجهه الجميع في تقديم منظومة وآلية للمساعدة على تقديم الرأي الاجتماعي الأنسب حتى ان لم ينل استحسان المجتمع بعامة حين الطرح.

وهنا يكمن الخيط الرفيع بين تقديم النفع على قبول الجميع لهذا النفع. وطبعا يقفز مثال تعليم البنات الى الاذهان، وكيف أن ذلك كان قرارا اجتماعيا بالرغم من رفض المجتمع وقتها له.

القرارات الاجتماعية التقدمية لا تلقى بالضرورة شعبية جارفة حين اطلاقها، ولكنها غالبا ما تصنع تاريخا، ونحن في أمس الحاجة لصناعة التاريخ بدلا من أن نكون جزءا مهمشا فيه.

[email protected]