مذكرات أنور خوجا

TT

عندما عرضت قبل اسابيع سيرة ماوتسي تونغ الحديثة، تلقيت عدة ملاحظات. وقال بعض الاصدقاء إنني لم انصف ماو، مع ان لا علاقة لي بالأمر ولا رأي ولا موقف. وقد تركت قناعاتي جانبا وتمسكت بالكتاب، مع العلم بان قناعتي حول رجل تسبب في مقتل 75 مليون انسان مثلها في بول بوت الذي قتل 4 ملايين او ستالين او هتلر او الاستعمار البلجيكي او الاستعمار الاسباني. لقد اخترت ان اكون مع الضحية ومع الحرية وليس مع الجلاد ولا المستعبد. وعلى هذا امضيت سنوات طويلة من عمري اكتب ضد التمييز العنصري في اميركا وفي جنوب افريقيا. ولن أنزع من ذاكرتي الانسانية او المهنية ما فعله الرجل الابيض في القارات الاخرى.

كنت اتمشى قبل ايام في سوق الكتب العتيقة عندما وجدت مجلدين بقلم انور خوجا الزعيم الالباني الراحل بعنوان: «تأملات في الصين». وسارعت الى شرائهما. وقلت هذا انسان كان اقرب انسان الى صين ماو، وسوف اعرض لكتابيه وارفع عن نفسي شيئا من عقدة الذنب. يقع كل كتاب في حوالي 800 صفحة. ويغطيان مرحلة تمتد من 1962 الى 1977. الف وستماية صفحة عن عداء البانيا «للانحرافيين» السوفيات وعتبها على تقصير الصين الكورية في حق البروليتاريا. فصول طويلة عن وصول السفير الالباني الى بكين بدون ان يستقبل بحفاوة، وفصول اخرى حول تفاسير لبرقيات الخارجية الصينية الى البانيا حول تأجيل زيارة وزير الخارجية، او مفوض الدعاية.

في هذه الاثناء كانت البانيا تجوع. وكانت مغلقة مثل سجن حديدي. وكانت وسائل النقل الطاغية هي الدراجات الهوائية. ولم يكن في تيرانا كلها سوى بضع عشرات من السيارات اكثرها تابع للقصر الجمهوري او للحزب.

حدثت حقيقتان بعد ماو وانور خوجا: الصين تحولت من دولة محتاجة الى دولة هي اكبر دائن لاميركا اليوم. وهي مستقبل العالم في القرن الحالي. وسوف تتحول من دولة كبرى بسبب تعدادها الى دولة كبرى بسبب تطورها ونموها واقتصادها العظيم. واليابان التي كانت اهم اقتصاد بعد اميركا سوف تصبح دولة في ظل الصين. وسوف ينتقل الميزان العسكري والمالي من الغرب الى آسيا بسبب الصين. وسوف تملأ بوارج الصين المحيط الهادي والمحيط الاطلسي وتجعل اميركا في متناولها كما كانت هي في مدى المدافع الاميركية.

هذا ما حدث بعد ثلاثين عاما من وفاة ماو. لقد فجرت الحرية طاقات الشعب الصيني الهائلة. وفي جامعات اميركا الكبرى، من هارفارد الى ستانفورد، جميع الاوائل في العلوم صينيون او هنود. ولا تزال بكين ترفع صورة ماو، لانها لا تريد ان تلغي تاريخها كما فعل. لكن تاريخ الصين الحقيقي بدأ مع الذي وضعه في السجن، الرفيق دنغ. واما البانيا فبعد انهيار النظام حاولت، برمتها، الهجرة. لعلكم تذكرون.

وآسف على ما دفعت ثمن كتب انور خوجا: لا كلمة واحدة عن الصين تستحق النقل.