إلى العراق على صهوة حصان

TT

سمعت عن قصة شاب جرى اعتراض طريقه لانه كان يمتطي حصانا، ويمتشق سيفا ويريد اللحاق بركب المقاتلين الذين يسمع عن بطولاتهم. سئل عند الحدود الى اين يا أخ ؟ قال ذاهب للجهاد في العراق!

ويبدو أن آخر معارف المجاهد الشاب بالعالم توقفت عند معركة عمورية في فتح الفتوح. يعيش في جهل مثل المقاتلين اليابانيين الذين عثر عليهم في الغابات الفلبينية حديثا مختبئين غير مدركين ان الحرب العالمية الثانية انتهت قبل اكثر من خمسين عاما.

يا له من عالم غريب، ولا يقل غرابة عن هذا الفارس الشجاع الجاهل، الا الكم الكبير من الانتحاريين الشجعان الجاهلين الذين يموتون مثل الفراشات حول النار.

القابعون في غاباتهم الفكرية والمحلية كثر بيننا، وان كانوا يسكنون نفس المدن، ويستمعون الى نفس الموجات، ويشاهدون نفس المحطات، فالغربة فكرية وليست بالضرورة مكانية. ولا فرق بين راكب حصان ممتشق سيفه وراكب سيارة رولز رويس، اذا كان العقل في غيبوبة يعيش خارج الحقائق التي تحيط به. وخلال الايام الماضية استمعت الى كثير من هؤلاء المنغلقين يتحدثون عن العالم، وبعضهم يحمل شهادات عليا ومن جامعات غربية، او يجلسون على مصادر لو لجأوا اليها لوجدوا كل الحقائق واضحة امامهم. يتحدثون بلغة مركبة، يريدون مواجهة الارهاب من خلال ترديد مبرراته. يشجبون الارهاب، ثم يعلنون ان على العالم ان يدفع الثمن. سألت احدهم ما الذي تعتقد انه ضروري لانهاء هذه الحرب الارهابية؟ رد فورا بالخروج من العراق. قلت له لو خرجوا، والله اعلم ان العراق بدونهم ربما سيصير اسوأ من البوسنة وكوسوفو، ولنفترض انهم رحلوا، ستقولون غدا لتنسحب اسرائيل حتى يتوقف العنف في بلداننا، ولو انسحبت اسرائيل ستقولون غدا نريد تحرير كشمير، ثم الشيشان والقائمة طويلة، فالذي يريد ان يبرر لن يعدم التبرير، فالإرهاب لم يعد وسيلة في حد ذاته بل غاية. أي اننا لو سرنا في درب هذه الخيالة لدمر الارهابيون مجتمعاتنا ومؤسساتنا واقتصادنا من أجل ان نرضيهم، وإلا أي منطق هذا الذي عصف بمنطقتنا من الجزائر والمغرب والخليج ومصر؟ أي منطق هذا الذي يشيع فيه في العراق كل يوم ثلاثون من المدنيين الابرياء؟

ان احدا قد لا يرضى بفعل الارهابيين بانفسهم عندما يقررون قتل انفسهم، لكنه أمر مفجع ولا يمكن تسويغه عندما يستهدفون المدنيين في بلداننا وغيرها، باسم العراق او فلسطين او كشمير او الشيشان وغيرها. وتكون الخطيئة مضاعفة عندما يخرج علينا من يبرر قتل كل هؤلاء الابرياء في شرم الشيخ، بأنها نتاج السياسة الخارجية او العراق او فلسطين، وهكذا. هؤلاء هم الذين يرسلون الناس على صهوات خيولهم.

[email protected]