دماء جديدة..

TT

مرة أخرى تصرخ العناوين وترتعد الصور، وهي تصف المجزرة البشرية التي حدثت في مدينة شرم الشيخ بمصر منذ أيام. دماء وأشلاء وجثث وقتلى وجرحى، وبعدها تصدر البيانات المرسلة بالفاكس أو الهاتف أو البريد الالكتروني، التي تتحمل مسؤولية العمل الإجرامي، وطبعا تغلفه بآيات كريمة وأحاديث شريفة وشعارات حماسية لإقناع المتلقي أن هذا العمل لصالح الإسلام والمسلمين. والمصيبة أن هذا النوع من الطرح لا يزال يلقى الآذان الصاغية ويلقى القبول، ولا يجد التنديد والرفض الحقيقي و«التلقائي»، وغير الموجه، الكافي للآن.

المسألة تتخطى كون الموضوع هو مجرد إدانة لجرم، فالأمر متعلق بوجود فكر وثقافة كاملة تربت على هكذا معتقدات وبنت نفسها عليه، وبالتالي فإن الدفاع عن هذه الأفعال، والتبرير لها هو كمن يدافع عن الشيوعية، ويقول إنها نظام عظيم ولكن الروس لم يحسنوا تطبيقه بالشكل الجيد.

وعليه فانه طالما استمر تداول العمل «بالسموم» الفكرية الموجودة بيننا والمروج لها، سيظل العالم الإسلامي بأسره موضع اتهام وفي دائرة الشك، طالما استمر التعامل مع الآراء المؤسسة للأفكار التكفيرية الانتحارية على أنها جزء من الثقافة والتراث الإسلامي، وبالتالي يجب التعامل معها باحترام ووقار وتقدير.

المسؤولية التاريخية للمسلمين تتطلب منهم أخذ موقف، من دون الوقوف على السور.. موقف لا يتعاطى مع تلك «اللوثة العقلية»، التي تزين على أنها جهاد وإسلام ودين وتقوى. إنها ثقافة بدأت بآراء شاذة ودعمت عبر السنوات «بسادية» عجيبة، وكانت دوما ما تلقى المبررين وكثيرا ما تلقى المؤيدين والممجدين.

عجبا للمسلمين حقا.. يتبرأون من تلك الأفعال ويدافعون عن دينهم، ولكن لا يسعون بالقدر الجاد والمطلوب للتنصل من الآفة الفكرية المدمرة التي التصقت بدينهم. الإسلام لا يأمر بسفك الدماء، مقولة تكررت عشرات المرات، ولكن القول شيء والفعل شيء آخر، فليواجه المسلمون الأقوال والآراء التي تمجد هذه الأفعال وتزرع بذورها الأولى، وليعملوا بجد على إزالتها، لأن العالم لن يصدق أي تبرير أو تفسير أو رأي في هذا المجال، طالما يرى القصور الحقيقي في تنظيف وتطهير قلب وعقل المسلمين من السموم التي ارتضوها.

دماء جديدة تسيل، وهي دية معلقة في رقاب المسلمين كافة ما لم يتحركوا بجدية لإزالة هذا الرجس والدنس من كتبهم ومنابرهم ومدارسهم وحياتهم. يقول الحق عز وجل «فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون».