لماذا شرم الشيخ.. وليس السويد..؟!

TT

منذ فترة يتردد أشهر الأسئلة خداعا: «لماذا لا نهاجم السويد» حول مبررات عمليات العنف بعد أحد أشرطة بن لادن الذي خرجت فكرته من السجال بين بوش وكيري في حملة الانتخابات الأمريكية، فقد جاء في ذلك الشريط قوله «إن بوش يضللكم في شأن الأسباب الحقيقية لهجمات 11 سبتمبر، فهو يقول لكم إننا قمنا بذلك لأننا نكره الحرية، لكن، هل يمكن لرئيسكم أن يفسر لماذا لا نهاجم السويد مثلا».

بدت هذه الحجة السياسية مناسبة جدا لدحض خطب بوش وشعاراته السياسية في حربه على الإرهاب عندما زعم أنهم خصوم للحرية. وقد استعملها الديمقراطيون في سجالاتهم وخطبهم في تلك الحملة.

هذا السؤال الذي بدا منطقيا لمواجهة ادعاء بوش ومدرسته في دعوى عداء الإرهابيين للحرية، ومواجهة أيضا ما يطرحه بحماس بعض الكتاب بأن العلة هي في مقاتلة الكفار، لكنه ليس مناسبا لمواجهة أطروحات الكثير من المفكرين والكتاب في تحليل ظاهرة الإرهاب ومحاولة فهم العقلية العنفية وتورطها مع الوقت في الممارسة العبثية. المفكرون والعقلاء في العالم لا يأخذون العلم والتحليل الاجتماعي والسياسي والديني من بوش وخطبه السياسية الرسمية أو غيره، لهذا قدموا وما زالوا يقدمون رؤى ثرية تفسر هذه الظاهرة وتحمل ثقافتنا ومجتمعاتنا وأخطاءنا الفكرية في فهم الإسلام الجزء الأكبر من ذلك، ولا تمثل هذه الخطب التي يلقيها رؤساء الدول أي قيمة فكرية في تحليل ظواهر معقدة إلا عند أصحاب الفكر الحركي السياسي من مختلف التيارات في منطقتنا التي تجتهد دائما في صناعة عقلية غوغائية في فهم القضايا الدولية.

ونتيجة انتشار الثقافة النقلية التي تميز الكثير من كتابنا ومثقفينا العرب، يتم تعليب مثل هذه الأسئلة وتسويقها لتبرير الممارسة الإرهابية وإعطائها البعد النضالي للزعم بأنها لتحرير دول عربية اسلامية. إن براءة الإرهابيين من استهداف مسألة الحرية أو الكفار لا يعني أنه لا يوجد ما هو أسوأ منها أخلاقيا. إن هذه الثقافة تجتهد في انتقاء ما يعجبها ويخدم فكرتها دون وعي بالسياق والإطار الذي تقال فيه هذه العبارة أو تلك، لهذا تكثر ترجمات ونقل المقالات الغربية إلى العالم العربي التي تبرر أخطاءنا وتعزز قناعتنا ولا تصادمها.

فمثل هذه الأفكار التي تأتي من الآخر تجد لها قبولا وحماسا في نشرها في الصحافة والمنتديات العربية. فبعد أحداث لندن لم يستطع المتعاطفون العرب مع مثل هذه العمليات الإرهابية التصريح بفعاليتها كأداة ردع سياسية لقوى دولية كبرى، فلجأت إلى تصريحات بعض السياسيين البريطانيين والاحتماء بمقولات كتاب وسياسيين غربيين. فتنتشر عادة بالمواقع المتشددة مقالات مثل الكاتب البريطاني روبرت فيسك، وكان مقاله الذي اعيد نشره بشكل واسع في المنتديات العربية بعد أحداث لندن الأسبوع قبل الماضي شديدا عندما هاجم سياسة بلير، وأعاد طرح هذا السؤال «لماذا لا نهاجم السويد»، وقال «توجد مشكلة، هي الاستمرار في الادعاء الزائف أن الأعداء يريدون «تدمير قيمنا العزيزة»، هذا الادعاء الذي يشجع على العنصرية. ذلك أن ما نواجهه حالياً في بلادنا هو موضوع محدد، مباشر، وهو هجوم مُرَكَّز على لندن نتيجة «الحرب على الإرهاب»، بعد أن ورطنا فيها بلير.. فقط قبل برهة من انتخابات الرئاسة الأمريكية، سأل بن لادن

«لماذا لا نهاجم السويد»، محظوظة السويد ليس فيها أسامة بن لادن وأيضاً ليس فيها بلير(!!)».

دور الكثير من المثقفين الغربين هو في المساهمة في النقد الذاتي لسياسات حكوماتهم الداخلية والخارجية، وليس نقل مشكلاتهم إلى الخارج ولهذا تظهر مثل هذا الآراء بقوة ودون مجاملة حتى في لحظات هجوم العدو عليهم، وهو ما يثير الإعجاب بالمثقف الغربي الذي لا ينقل مشكلاته إلى الآخر. الترحيب العربي بمثل هذه الكتابات، لأنها تساعد على ترحيل أزماتنا الفكرية والسياسية الى الخارج، فكل ما يحدث من انحراف محسوب على مجتمعاتنا وثقافتها ناتج عن سياسة الغرب الخاطئة معنا.

مع احداث لندن عادت بعض مظاهر الشماتة بين السطور كالتي حدثت بعد أحداث سبتمبر على أمريكا، ففي العراق أبرياء كما في بريطانيا أبرياء، نظرا للشراكة الكبيرة مع امريكا في غزو العراق. لكن تفجيرات شرم الشيخ المروع الذي راح ضحيته عدد كبير من الأبرياء وقبله عواصم ودول عربية في الرياض والدار البيضاء، يفشل محاولات عقلنة العمل الإرهابي.. بتمرير مثل هذا السؤال «لماذا لا تهاجم السويد».

إن التصور المنطقي لمسار مبررات العمل الإرهابي هو الذي أدى إلى حالة الاسترخاء عند المصريين والشعور بأن الإرهاب بعيد عنهم و أصبح جزءا من الماضي تصعب عودته إليهم، وظهرت بعض ملامح التساهل على أكثر من مستوى مع حماس بعض الكتاب حول ما يحدث في أرض العراق تحت مسمى المقاومة. لهذا بدأت ملامح الصدمة على وجوه الكثيرين في مصر. خاصة أن الموقف المصري والشعبي من الهجوم على العراق كان ضد هذا العدوان والتغيير بالقوة.

إن الدول البعيدة عن خط الإرهاب ليس سبب نجاتها لأنها لم تشارك في الحرب على الإرهاب فالواقع أن دول العالم تساهم بهذه الحرب، فالإرهاب له أولوياته، فكلما كان للبلد دور أكبر في الصراعات الإقليمية والعالمية كان عرضة لمثل هذه العمليات. وإذا كانت قصة هذا الإرهاب الجديد الذي بدأ مع سبتمبر حدث قبل مسألة احتلال العراق وأفغانستان وإنما باسم فلسطين، فالمؤكد أن كل دول العالم التي لها علاقة جيدة مع اسرائيل ستصبح مستهدفة ارهابيا وفق هذا المنطق الذي بدأت معه القصة الإرهابية، ولن تكون السويد أو اليابان بعدية عن هذا التهديد، والسويد جزء من أوروبا التي عرضت عليها الهدنة القاعدية في العام الماضي..!

إن مشكلة هذه الأسئلة ليست في أنها خاطئة تماما وإنما لأنها تملك قدرا من الصواب الذي يوافق عليه الكثيرون، فليس واردا الحماس هنا لتبرير أخطاء السياسات الخارجية لأمريكا أو بريطانيا، فأخطاء هذه السياسيات جزء كبير من هذه المشكلة العالمية، لكن أغلبية من يسوق لمثل السؤال في منطقتنا هم الذين ليس لديهم موقف صارم من الإرهاب ومنظمة القاعدة.

ما يفرق بين الجريمة الجنائية والعمل الإرهابي هو البعد السياسي، فليس من المفكر فيه استبعاد هذا الجانب. إن الأسئلة العلمية التي توسع آفاقنا للوعي بهذه الظاهرة العالمية لها أهمية كبرى ، فلا توجد أسئلة ممنوعة.. لكن هناك انتقاءات وأسئلة مخادعة لتمرير أفكار غير صحيحة.