مسلمو بريطانيا بين 11/9 و 7/7 ..!

TT

قبل فترة قصيرة من هجمات السابع من يوليو، بدا أن المسلمين البريطانيين يركبون ذروة موجة. فقد كان الذين يزدرونهم في الداخل والخارج يشعرون بأن تأثيرهم على سياسة الحكومة كان ينمو بسرعة فائقة ، فيما كان المعجبون بهم يأتون الى لندن كل شهر ليلتقوا بالهيئة التمثيلية لهم وأعني مجلس مسلمي بريطانيا، لكي يتعلموا من «النموذج البريطاني». ووفق كل الحسابات كان المسلمون البريطانيون أكثر تقدما بكثير، من الناحيتين السياسية والتنظيمية، من نظرائهم في أي مكان آخر في أوروبا.

ويقيم 38 في المائة من المسلمين البريطانيين في لندن. وهم يشكلون 8 في المائة من مجموع سكان لندن. وفي تاور هاملتس ونيوهام، وهما أكبر تجمعين في المدينة، يشكلون 36 و24 في المائة من السكان على التوالي. وبفضل تركزهم العالي في شرق لندن ، فان أفراد الجالية الاسلامية يستعدون للاستفادة من التجديد الذي يتوقع أن يرافق استضافة اولمبياد 2012 ، ولكن هجمات السابع من يوليو وللأسف، تبدو وكما لو أنها ستحطم هذه الأحلام.

والقول إن المسلمين هم ضحايا كما هو حال أي قسم آخر من المجتمع البريطاني، هو تعبير يخفف من وطأة التأثير. فقد كان المسلمون أيضا بين القتلى والجرحى، إذ هناك ساعون للعيش الشريف وأحبة وأبناء وبنات بين الضحايا. وبالنسبة لكثيرين ستبقى الآثار السيكولوجية معهم طيلة حياتهم.

وفي الأسبوعين التاليين للهجمات تلقى مجلس مسلمي بريطانيا تقارير عن ألف حالة من الهجمات العنصرية ضد المسلمين. وما يزال الاحساس بالحزن والخسارة والألم طريا في أذهان الناس. ومن المفهوم أن بعضهم عبر عن رد فعله بالقلب وليس بالعقل، مهاجما الأفراد والبيوت والمساجد. وفي تاور هاملتس تم رفض دخول فتاتين الى باص بسبب ارتدائهما الحجاب.

ولا يمكن لهذا، بالطبع، أن يكون هو الحال في المستقبل. هناك سبب واحد لذلك على الأقل، وهو انه لا يمكن لشخص بريء ان يتحمل اثما ارتكبه غيره. وإذا كانت الهجمات قد نفذت بسبب جرائم ارتكبتها الحكومة البريطانية، فلا يجب أن تتم معاقبة شعبها بمجمله لقاء هكذا فعل. وعلى أية حال، لنا أن نذكر أن الشعب البريطاني كان قد احتج بالملايين من أبنائه على حرب العراق. واستنتج معظم المحللين لانتخابات 2005 العامة ان رئيس الوزراء توني بلير قد واجه عقوبة الناخبين بسبب تورطه في الحرب.

وبما أن العنف ضد المسلمين يمكن أن يجعل هذا الوضع السيئ أسوأ، فان توجيه أصابع الاتهام الى الجالية الاسلامية وزعامتها وجعلها كبش فداء، لا يمكن أن يكون خيارا عمليا. ولا حاجة بنا الى القول انه لم يوجه احد أصابع الاتهام الى المسيحيين الأوروبيين، بعد أن قتل ثمانية آلاف رجل وصبي مسلم على يد الصرب في سربرنيتسا عام 1995، بما يعني أن المسلمين البريطانيين يجب أن لا يرغموا على قبول المسؤولية الجماعية عن جرائم أربعة أشخاص.

ولم تلغ السرعة والكفاءة التي شخصت بها شرطة لندن المتهمين الرئيسيين عددا من الأسئلة الهامة. لماذا أخفقوا في منع الهجوم بعد أن كانوا قد أبلغوا الناس منذ زمن طويل بأن الهجوم «حتمي»؟ ومن الطبيعي أن الاتهامات واللوم يوجه الآن في كل الاتجاهات. فالبعض يلومون الشرطة والاستخبارات، وآخرون يلومون السياسيين، بينما يوجه آخرون اللوم الى المسلمين. وحتى بوجود ضحايا لم يدفنوا بعد بدأ البحث عن «الأسباب» بصورة مبكرة بكثير من المتوقع.

وكما كان الحال في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، بدأ كثير من نهازي الفرص استثمار تراجيديا لندن. فالخبراء من النمط الليبرالي في قضايا الاسلام سرعان ما أعلنوا في وسائل الاعلام أن هناك حاجة ملحة لاجراء «إصلاح» داخل الاسلام، كما كان الحال في المسيحية في القرن السادس عشر، فيما جادل آخرون بضرورة تنقيح القرآن، واشتطوا ليطالبوا بإعادة كتابته ليناسب القرن الحادي والعشرين. ويجادل رأي ثالث بأن المفهوم الاسلامي للأمة خطر، ولا بد من اجتثاثه. ومن الغريب ان الأشخاص انفسهم يمكن أن يعبروا عن ولائهم لمبادئ ومثل ميثاق الأمم المتحدة الذي جاء في مقدمته «نحن شعوب الأمم المتحدة عازمون على انقاذ الأجيال اللاحقة من دمار الحرب».

ومن ناحيتهم يعتقد المسلمون البريطانيون أن الأزمة الراهنة أزمة من صنع البشر. فأسبابها متعددة الوجوه، وهي اجتماعية واقتصادية وسياسية وأيديولوجية. ان لا انسانية الانسان تجاه أقرانه وظلمه وجشعه وتعصبه، أسهمت كلها في هذه المشكلة. وبالتالي فان جهدا انسانيا هائلا مطلوب من جميع الأطراف. ومن حسن الحظ ان للمسلمين البريطانيين زعامة قادرة ، واستعدادا وسط الجالية المسلمة لمساعدتهم على مواجهة هذا التحدي.

وأخيرا، فإذا كانت المشكلة تتمثل في التطرف وأيديولوجيا الانحراف، كما يراد لنا أن نثق بذلك ونتفهمه، فلا بد ان يكون الحل أيديولوجيا أيضا. ويتعين على الحكومة البريطانية أن تتعلم من أخطاء حليفهم عبر الأطلسي وكذلك في الشرق الأوسط . لقد كافحوا لسنوات الأيديولوجيات المتطرفة بإجراءات أمنية هائلة، ومدافع وصواريخ كروز (في حالة الأميركيين). ولم يكن نصيب هذه الاجراءات الاخفاق فقط ، وإنما أدت الى مفاقمة المشكلة. فمتى سنتعلم ؟

أقول: ما يزال هناك وقت أمامنا.

* الأمين العام للمجلس الإسلامي البريطاني