أيهما: نموت من أجل أفكار .. أم تموت هي من أجلنا؟

TT

لم تعد هناك كلمة «نحن» و«هم»، لأن الأمر أصبح يشملنا جميعا.

فبعد أن تعرضت كل من لندن وبيروت وشرم الشيخ لهجمات في اقل من 48 ساعة، لم يعد هناك مسلم ومسيحي ويهودي. ولم يعد هناك مؤمن وكافر، ولا شرق وغرب، لأنه وحينما تشمل قائمة الضحايا في شرم الشيخ بريطانيين ومصريين وهولنديين وفرنسيين وكويتيين واسبانا وقطريين، فقد أصبحنا جميعا في نفس الموقف.

ومثال واحد عن كيف أصبح العالم صغيرا، والى أي مدى لم نعد محميين ضد الارهاب في أي مكان، يقدمه رجل الشرطة اللندني تشارلي ايفز الذي نجا من الموت في شرم الشيخ. لقد كان في عطلة في المنتجع المصري بعد مشاركته في جهود الشرطة في أعقاب تفجيرات 7 يوليو.

اكتب هذه المقالة بعد عدة ساعات من التفجيرات الإرهابية في شرم الشيخ، ومع ارتفاع أعداد الضحايا وسط أنباء عن هجمات انتحارية منسقة، تذكرت ما قاله محامي الحقوق الإنسانية السوري أنور البني خلال زيارتي لسوريا أخيرا، يقول: «مشكلتنا هي اننا لدينا آيديولوجيا ونستخدم الناس كوقود لها. من المفروض ان الآيدولوجيا في خدمة الشخص، لجعل حياته افضل، وليس لكي يموت من اجلها. هذه ثقافة موت، ان يموت الإنسان من اجل فكرة. اريد فكرة تموت من اجلي. اذا لم تخدم الناس فيجب ان تموت».

أرجو التوقف لثانية والتفكر في مدى عظمة هذا المفهوم: يجب وفاة فكرة او آيديولوجيا اذا لم تخدم الناس او لم تحسن حياتهم. وفي مواجهة كل هذا الدمار، كيف نقتل فكرة بدلا من الناس.

كيف يمكن ان نوقف هؤلاء الجبناء الجبناء بأفكارهم العدمية هذه؟..

احدى الوسائل في مواجهة ذلك هو منح واجهة لكل هؤلاء الذين انهى هؤلاء حياتهم. لقد سمعنا الكثير عن اشرطة فيديو تستخدم صور معاناة المسلمين حول العالم لتجنيد العديد من الارهابيين، لذا دعونا نرى هؤلاء الذين عانوا من العنف البربري لهؤلاء الجبناء، كم عدد أطفال ضحية من الضحايا؟، ما اسم زوجاتهم او ازواجهن؟، ما هي احلامهم؟.

ان واحدة من اكثر الصور تأثيرا التي خرجت من تفجيرات 7 يوليو في لندن، هي صورة ماري فاتياي وليامز، التي طارت الى لندن من نيجيريا، للبحث عن ابنها الذي كان في الحافلة رقم 30، التي انفجرت في ميدان تافستوك في لندن، وكان قد ركب الحافلة في طريقه للعمل بعد تعطل قطارات الاندرغراوند.

وقالت ماري، وهي تمسك بصورة ابنها في يدها، ان الوقت قد حان لوقف «هذه الدائرة المفرغة من القتل.. كم عدد قلوب الأمهات المكلومات؟»، وكان ابنها انتوني البالغ من العمر 26 سنة، مديرا في شركة نفط، وقد ولد ونشأ في لندن، ويحب موسيقى الراب، ويأمل في تأسيس شركة اسطوانات، كما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، وأمه كاثوليكية، ووالده مسلم. وذكر ابن عم انتوني لصحيفة بريطانية، ان طموحه كان الاشتغال بالسياسة لحل مشاكل نيجيريا، ومن المهم الحصول على مثل هذا الصورة لحياة انتوني. وفي الوقت الذي نشرت فيه الشرطة البريطانية صور الانتحاريين في طريقهم لنشر الفوضى في شبكة المواصلات في لندن، من المهم ان نرى وجه انتوني بوضوح كما نشاهد وجوه الانتحاريين.

وفي مصر يجب علينا معرفة هؤلاء الذين قتلوا خلال نومهم في غرفهم بالفندق، او وهم يحتسون القهوة ويدخنون الشيشة في المقاهي. وتحتاج وسائل الإعلام العربية الى نشر الروايات الإنسانية التي يمكن ان تحول ضحايا هجمات شرم الشيخ الى قصص حقيقية، مثلما فعلت وسائل الإعلام البريطانية مع انتوني، بالإضافة الى ذكر أسماء وحياة ضحايا الذين قتلوا بوحشية، دعونا نكشف عن مصادر الرزق التي قتلت في شرم الشيخ. ان هجمات شرم الشيخ هي الأسوأ في مصر منذ مذبحة الأقصر في عام 1997، التي أدت الى مقتل 58 سائحا، وأربعة مصريين. فلم يكن الهجوم على معبد حتشبسوت وحشيا لاستخدام الارهابيين السكاكين، لكن للاضرار التي ألحقها هول الهجمات الأخرى على صناعة السياحة في مصر، التي تمثل اكبر مصدر للعملات الصعبة وتعتبر اكبر قطاع خاص في البلاد.

لذا دعونا نكشف عن كل الذين فقدوا حياتهم في هجمات شرم الشيخ والتعريف بمجموعة الجبناء المسؤولين عن هذه الهجمات، مثلما نكشف ايضا عن المصريين الذين لم يعودوا قادرين على إعالة اسرهم بسبب الإرهاب.

هل هناك شيء اكثر إلحاحا من الفقر والبطالة لدى غالبية المصريين؟.. المظاهرات الاسبوعية على مدى الشهور السابقة لم تقل «كفاية» للحكم الشمولي وانعدام الديمقراطية فقط، إنما للبطالة ايضا.

تحدثت خلال زيارتي الاخيرة الى القاهرة الى العديد من الذين انضموا الى حركة المعارضة، وقالت غالبيتهم إن البطالة هي السبب في انضمامهم الى حركة المعارضة. ففي يونيو الماضي، قادت مجموعات المعارضة مظاهرتها الى الأحياء الفقيرة وأحياء الطبقة العاملة، لإظهار التضامن مع المصريين الذين يكابدون مشقة العيش بصورة يومية. ولعله من المثير للسخرية ان حركة المعارضة تحاول إشراك المزيد من المصريين في العملية السياسية والتركيز على التي تهمهم، فيما تنسف هذه المجموعة الجبانة كل ذلك وتدفع بالمئات إن لم يكن بآلاف المصريين، الى مستنقع البطالة، فهذه المجموعات لا تستهدف فحسب المدنيين الأبرياء من كل أنحاء العالم، بل تستهدف متعمدة أي قطاع يساعد الكثير من المصريين على إعالة اسرهم. جاء الموت بأشكال متعددة في شرم الشيخ، فهناك الذين مزقت أجسادهم التفجيرات البشعة الى جانب الموت الاقتصادي بفعل الدمار الذي لحق بسبل كسب العيش لآلاف الأشخاص.

اشعر بالغثيان تجاه تجنيد الشبان المسلمين للموت من خلال اشرطة الفيديو. تُرى: أي اشرطة فيديو التي يجب ان تجند هؤلاء للحياة؟، ثم: متى نكف من الحديث معهم عن الموت من اجل الأفكار؟ ومتى نبدأ الحديث معهم حول ان الأفكار هي التي يجب ان تموت من أجلهم؟.

[email protected]