رجب حوش صاحبك

TT

ذات مرة قرأت حكمة ذهبية، سردها الكاتب المصري الساخر أحمد رجب في لقاء معه، قال فيه، إنه تعلم درسا نبيلا، خلال مسيرته الصحفية من عميد الصحافة المصرية علي أمين، لم ينسه وظل محافظا عليه، فقد كتب مرة مقالة يهاجم فيها رجلا في السجن، فقال له رئيس تحريره: الكتابة يا أحمد فروسية، فلا تهاجم أحدا وقع من على فرسه!

وضعت حكمة رجب حلقة في أذني أعيدها على ذاكرتي، بعدد المرات التي تعيد فيها المحطات العربية أغنية «رجب حوش صاحبك عني»، وبالمناسبة حين غنت هيفاء وهبي «رجب حوش صاحبك عني»! كتب أحمد رجب موضحا: ليس أنا!

عندما قرأت مقالة للأستاذ أنيس منصور، عن رسائل التعساء وأتعس الخطابات في التاريخ، بما فيها وما فيها مما يسوء أي امرئ نشره عنه، خاصة إن كانوا على شاكلة العقاد والتابعي ومصطفى أمين، حين يظهرون متسولين ومتهورين وعملاء سريين! هؤلاء المكتوب عنهم والضالون، من الأدباء والكتاب المعروفين الذين جار عليهم الزمن مرة، ثم جار بأن جعل محلهم من الإعراب زمن كتابة المقال في خبر الموتى، والكلام الذي قيل عنهم، لم يؤخذ ـ على ما بدا لي ـ من مراجع ولا موسوعات علمية، بل من مجالس شخصية تكثر فيها النمائم عادة والحش الثقافي.

خلاصة هذه المجالس العامرة، عادة لا تصلح موضوعا للنشر في الصباح، أو في صباحات ما بعد الألف ليلة من تعاطيها، خاصة حين يموت أصحابها، ويذهبون لدعة القبور.

أنا شخصيا لا يهمني الدفاع عمن تعرض لهم الأستاذ أنيس منصور، فيكفيني من حظ المعرفة شاعرنا العربي الكبير، الذي نظر الأعمى إلى أدبه وسمعه من كان به صمم (المتنبي) أستاذ الطامعين والطالبين، الذي ما ترك مجلسا ولا إمارة إلا دق بابهما، ومسح جوخهما فجعل من كافور الأخشيدي يوم حداه الأمل أبيض أدخله باب التاريخ، ويوم يئس منه ومن عطائه أخرجه بالعصا وجعله نمرودا، كفانا الله شر غضب الشعراء والأدباء، ورغم كل هذا يظل المتنبي أبا من آباء الشعر العربي، لأن الموضوع هو الشعر وليس الشخص!

ما أحرص عليه في كل ما قلت هو التذكير بحلقة رجب الذهبية (فروسية الكتابة)، وإن كان المزاج لدينا أحيانا يميل إلى الحرب على المتسولين من الكتاب، فعلينا بالفرسان على ظهور الخيل، الأحياء منهم، الذين يثور غبار خيلهم في كل مجلس، ومن هم على الأرائك متكئون، أما من مات فقد فات التكسب من حشه، فهم بحكم فرسان ترجلوا عن أفراسهم، ولم تعد لهم رسالة يتركونها لنا غير أغنية «رجب حوش صاحبك عني»!

[email protected]