الإرهاب: سقوط الفروض والتبريرات: لندن .. شرم الشيخ .. في تفسير الحدث

TT

منذ أحداث 11 سبتمبر إلى أحداث شرم الشيخ الأخيرة مرورا بعشرات الحوادث الإرهابية الصغيرة منها والكبيرة، سقطت أغلب الافتراضات عن الإرهابي النمطى التقليدي. سقطت أيضا التبريرات والحجج الواهية التي تساق حول أسباب ودوافع الإرهاب. وسقط أخيرا الإطار التنظيمي المحكم الذي كان ينتمي إليه هؤلاء الإرهابيون، حتى أن أغلب المحللين العرب لشؤون الإرهاب، لم تعد تحليلاتهم مقنعة لأنهم نشأوا وترعرعوا في ظل المفاهيم القديمة للإرهاب المتأسلم.ولنتوقف عند هذه الحيثيات:

أولا: سقوط الافتراضات:

سقط الفرض الذي ينسب الإرهابي إلى الطبقات الفقيرة، فأصبحنا نرى جل الإرهابيين ينتمون إلى الطبقات المتوسطة والغنية بل والمترفة في الثراء. وسقط فرض أنهم جهلاء فلا يمكن الادعاء بأن أيمن الظواهري والآف من الإرهابيين على شاكلتهم جهلة، صحيح أن ثقافتهم مشوهة ولكنهم في النهاية ينتمون الى الطبقة المثقفة. وسقطت فرضية الأمية فنحن أمام إرهابيين حاصلين على أعلى الدرجات العلمية ومن جامعات عربية وغربية معروفة، وقد كتبت من قبل مقالة عن اختفاء الإرهابي الأمي. وقد قام البنك الدولي بعد 11 سبتمبر إضافة إلى الحاجات الأساسية الأربع المأكل، والمسكن، والتعليم، والصحة، حاجتين أساسيتين وهما العمل، والمشاركة السياسية، وحتى هذه الفروض أيضا سقطت، فالكثير من الإرهابيين يعملون ويشاركون بمستويات مختلفة في العمل العام. وسقط فرض إنهم قادمون من دول مستبدة، فثلاثة من إرهابيي لندن الاربعة ولدوا وترعرعوا في ظل أعرق ديمقراطية في العالم. وسقط فرض أنهم قادمون من دول إسلامية فاتضح أن منهم مولودين في دول غربية. وسقط فرض أن أصولهم تنتمي إلى دول إسلامية، فهناك أوربيون وأميركيون تحولوا إلى الإسلام وتجندوا في قائمة الإرهابيين مثل جوني ووكر، وريتشارد ريد، وخوسيه باديلا. بل وحتى سقط الشكل القديم للإرهابي الملتحي الذي يرتدي الزي الباكستاني و«الشبشب»، فها هو محمد عطا وزياد الجراح وغيرهم يظهرون بمظهر الغربي في ملبسه وتصرفاته.

الفرض الوحيد الذي لم يسقط أنهم أناس يسيئون إلى دينهم الاسلامي وإلى ملايين المسلمين المعتدلين من أبناء ملتهم.

ثانيا: سقوط التبريرات:

سقطت ايضا الحجج والأسباب الواهية التي تساق في العالم العربي والإسلامي لتبرير الإرهاب، حتى أن كاتبا في مجلة تايم وصفها بأنها «سخافات» Ridiculous، فالضمير الجمعي العالمي استقر على تعريف مفهوم الإرهاب، ولا يحتاج الأمر إلى سفسطة وفذلكة كما يفعل المهووسون والمتعصبون العرب، فما حدث للبعثة الإسرائيلية في ميونيخ عام 72 هو إرهاب، وخطف الطائرات من قبل فلسطينيين إرهاب، وما حدث في مسارح موسكو ومدارسها إرهاب، وتفجير انتحاري سواء تم ذلك في مطعم في تل أبيب أو بيروت هو إرهاب، وما حدث في نيويورك وواشنطن ومدريد والقاهرة والأقصر وشرم الشيخ والسعودية والجزائر والعراق واليمن ونيروبي وبالي إرهاب، وقتل الشيعة والمسيحيين في باكستان وقتل الأقباط في مصر والمسيحيين في البصرة كل هذا إرهاب، ولا توجد قضية مهما كانت عدالتها تبرر الإرهاب،كما ثبت انه لم تحل قضية بفعل عمل إرهابي فهذا وهم كبير.

وأغلبية الفلسطينيين الآن وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس أدركوا ذلك جيدا، ويحاولون جادين ابعاد قضيتهم عن هذا الهوس الإرهابي العالمي الذي يقوده أسامة بن لادن ورفاقه الأشرار، ولهذا اتجه بن لادن ومساندوه من«بعض» الشيوخ والمحللين العرب في وسائل الإعلام العربية، بالتركيز على العراق والاحتلال الأميركي والامبريالية الاستعمارية وإذلال الأمة وغيرها من هذه الحجج لتبرير أعمالهم الشريرة، حتى أن عضو الكونجرس عن ولاية ميزوري ايك سكيلتون قال «ان البعض في العالم العربي يستخدم هذه المزاعم والتبريرات لتجنيد الإرهابيين للقتال ضد الولايات المتحدة وغيرها». فما هي علاقة العراق بقتل الأبرياء في شرم الشيخ؟ وهل مذبحة الأقصر عام 97 كانت أيضا من أجل العراق؟

يمثل عقد التسعينات من القرن الماضى عقد حروب الغرب دفاعا عن المسلمين في الكويت والصومال والبوسنة وكوسوفو، بل ان عهد كلينتون أطلق عليه زمن تدليل المسلمين والدفاع عنهم في الخارج والداخل. ولم ينتشر الإسلام في أميركا مثلما حدث في عهد كلينتون، ومع هذا حدثت اعتداءات على الأميركيين في الخبر والرياض وفي عدن وفي نيروبي وفي دار السلام ومركز التجارة العالمي (التفجير الأول)، بل والجديد والذي أدهشني شخصيا ثبوت تحقيقات 11 سبتمبر أن التخطيط لهذه الجريمة الإرهابية تم في عهد كلينتون ونفذ في عهد بوش. فلم يشفع له كل ما فعله من أجل المسلمين في الداخل والخارج وتمت كل هذه الجرائم ضد الأميركيين في عهده فما علاقة ذلك بالحرب على أفغانستان والعراق؟! وماذا كان يمكن أن يفعل كلينتون من أجل المسلمين أكثر مما فعله؟ .الحقيقة أنه لو نفدت كل الحجج لأعلن الإرهابيون أنهم يحاربون من اجل استرجاع الأندلس، فهؤلاء البشر المنحرفون الذين يرددون «أننا قوم نعشق الموت» لن يعدموا الحجج السخيفة من اجل نشر الدمار والخراب.

ثالثا: سقوط التنظيمات:

سقطت أيضا التنظيمات المحكمة والمحددة والتي لها أعضاء ينتمون إليها كما في الجماعات الإسلامية والجهاد وغيرها وتم إذابة كل هذه التنظيمات وغيرها في «ايدولوجيا الشر» كما وصفها توني بلير، ومن ثم فالقاعدة ليست منظمة بقدر ما هي مظلة فكرية لهذه الايدولوجية الشريرة.

لقد أصبحنا نسمع مصطلحات جديدة مثل الخلايا النائمة Sleep ing Cells والإرهابي الجوال Roaming Terrorist والإرهاب العشوائي Random Terrorism والخلايا العنقودية وغيرها من المصطلحات. وبدلا من ذوبان الجاليات الإسلامية في المجتمعات الغربية حدثت بوتقة انصهار Melting Pot للمتطرفين والإرهابيين عابرة للحدود، وأصبحت بعض وسائل الإعلام والفضائيات ومواقع الإنترنت تمثل شبكة دولية Net Work تربط هذه الخلايا المنتشرة في العالم، عبر تمجيد التطرف والاحتفاء به، وتقديم التبريرات له من اجل تقويته وتجنيد أفراد جدد له، وتسهيل التنسيق والاتصال وجمع الاموال وغسل الأدمغة وتوصيل الرسائل المشفرة.

وأخيرا:

الحقيقة التي يعرفها العقلاء داخل العالم الإسلامي، هي أن الحل يأتي من داخل الإسلام، وهي حقيقة معروفة قبل أن يعلنها توني بلير بقوله «إن المعركة ضد القاعدة هي معركة نضال عالمي ومعركة أفكار وقلوب وعقول داخل الإسلام أكثر من خارجه، وهي معركة ليست ضد وسائلهم فحسب، وإنما ضد آرائهم أيضا، وليست ضد أعمالهم الوحشية بل أيضا ضد فكرهم الوحشي، وليس فقط ضد ما يقومون به بل وما يفكرون فيه أيضا».

هناك بعض الأنظمة العربية التي تحارب وتحاول تقليص العنف الإرهابي داخل مجتمعاتها وتحمي أنظمتها، ولكن معظم الدول العربية والإسلامية لا تحارب الفكر الإرهابي بشكل جدي حتى كتابة هذه السطور، والمؤسف أكثر غياب الوضوح الأخلاقي Moral Clarity عند الشعوب العربية والإسلامية ضد الإرهاب، بل بالعكس هناك من داخل هذه المجتمعات من يهلل وعند الحد الأدنى يستريح للفعل الإرهابي إذا أصاب مجتمعات غير إسلامية، هذه حقيقة يجب الاعتراف بها وإعلانها للأسف.

ولكي ندلل على حجم الأزمة داخل العالم الإسلامي تعالوا نسأل سؤالا واضحا ومحددا وهو هل تعتبر بن لادن والظواهري والزرقاوي ومحمد عطا ورمزي بن شيبه وخالد شيخ محمد مجاهدين أم إرهابيين؟ وهل تعتبر أفكار أبو الأعلي المودودي وسيد قطب أفكارا إرهابية أم جهادية؟ ولنطرح هذا السؤال على كثير من الأساتذة والشيوخ مع حفظ الألقاب.

إن اجابة هذا السؤال ستوضح حجم الأزمة داخل بعض المجتمعات الإسلامية.

الكرة الآن في ملعب المعتدلين المسلمين لاسترجاع إسلامهم المختطف، ليس من بن لادن ورفاقه فحسب، ولكن من شيوخ وإعلام التحريض.