رحم الله كلاشنيكوف

TT

سئل الجنرال الروسي ميخائيل كلاشنيكوف عما إذا كان نادما على اختراعه الكلاشنيكوف، فقال: لا.. لكنني تمنيت لو أنني اخترعت مكنسة!

الجنرال كلاشنيكوف لم يخترع البندقية (أي كي 47) ذات الطلقات الحاصدة، ليقتل بها أخا من مواطنيه الروس ولا ترفا.. كان الحلم الأول الذي راوده وهو صغير، هو أن يخترع حصّادة تساعد والده المتعب في حصاد حقله ليطعم أفواه إخوته الجائعة، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية التي حرمت كلاشنيكوف من إتمام دراسته وعمل في سكة الحديد، ثم التحق بالجيش الأحمر برتبة عريف، وأصيب في الحرب بجروح متوسطة ونقل للمستشفى وأخذ يسمع من الجنود قصصا كثيرة عن قوة الجنود الألمان، الأعداء النازيين الذين يريدون إعلاء العرق الآري واحتلال العالم ما أمكنهم، فاختزنت فكرة اختراع بندقية متفوقة في رأسه، ثم ولدت ونفذت في عام 1949. وقد قال عنها يلتسن «روسيا هي الأم وكلاشنيكوف هي الأب»!

عندما اخترع كلاشنيكوف (الله لا يعيد ساعتها) البندقية السحرية في القتل كان عمره تسعة عشر عاما، وكان عريفا في الجيش يعاني ويلات حرب أكلت الأخضر واليابس وهددت بلده، ورغم إيماني ببشاعة القتل إلا إنني شعرت وأنا أكتب عن كلاشنيكوف أنه مسكين وبريء مقارنة بما يحدث اليوم، على طريقة رحم الله الحجاج عند ابنه، حيث لا يعود المرء يفكر بالحجاج قاصم الرقاب إن جاء من يشق له قبرا بين البيوت، ليمشي به في خط مستقيم.

لدينا نحن أهل نجد مثلٌ يقول «اللهم لا تبرِّد مصيبتنا بأحر منها»!، لكن ما هو واضح أن مصائب أمسنا تبرد من شدة حرارة مصائب اليوم، حتى بات مسلسل التفجيرات اليومية مملا ومضجرا، يتساءل المشاهد كل صباح ضجرا: أما من جديد.

اليوم جاء الزرقاوي بقنابله العشوائية فبدا كلاشنيكوف (مسكيناً)، وجاء قتلة الحريري، ومفخخو الأنفاق والحافلات، فغدا كلاشنيكوف أكثر براءة، لا سيما أنه يعلن كل يوم فلسفته قائلا: إن البنادق مكانها معسكرات الجنود.

لكن المثل يقول: إذا فات الفوت ما عاد ينفع الصوت، فقد ولد من عصابات القتل، التي تقتل بالقنابل، شعب راح يقلد الكبار الذين يظهرون أبطالا في الإعلام وفي الخطب الشعاراتية الماكرة، ويجدون لهم مبررا ومدافعا ومتواطئا ولو بالصمت عن جريمتهم، فإن اختلف رجل مع زميله من حزب آخر فخّخ سيارته وقتل معه المارين بالصدفة، وإن شك رجل بزوجته فخّخ سيارتها لتقتل غير المقصود. أصبح الشعب يحب القنابل الأكثر فخامة حتى صرنا نترحم على أيام الكلاشنيكوف، التي تعرف عدوها على الأقل فترميه لوحده لتردي قتيلا مقصودا، فلا تثور وتخطف مع الضحية سبعة من الرفاق أو ثلة من الأبرياء، لكن يا جنرال كلاشنيكوف: لو كنت اخترعت مكنسة لأصبح عالمنا أنظف!

[email protected]