الطبقة المتوسطة

TT

صدرت صحف العالم أمس الأول، من أقصاه إلى أقصاه، وفيها مقالات رئيسية تقيم مسيرة الراحل العظيم. معظم هذه المقالات يعدد المنجزات والسياسات والمواقف. وبعضها يعدد التحديات. والبعض الثالث يشير إلى الأماني التي لم تتحقق في عهد الملك فهد، وفي طليعتها عدم قيام طبقة متوسطة في المملكة.

ولو لم ترد الملاحظة في «التايمس» لما استحقت التوقف عندها. لكنني ما أزال اذكر الخطاب الذي ألقاه الأمير سلمان بن عبد العزيز خلال أول زيارة رسمية للبنان بعد نهاية حربه، وفيه يتحدث عن ضرورة السعي إلى توطيد الطبقة المتوسطة في السعودية، لان الطبقة الوسطى هي عماد الأمم والدول والمجتمعات في كل مكان. كان الأمير سلمان ينقل الينا صورة عن خطط ومشاريع خادم الحرمين الشريفين لشعبه وأمته. وقبل ذلك بحوالي العامين أو أكثر، حضرت حفل افتتاح مبنى الزميلة العزيزة «الرياض». وفي الافتتاح ألقى أمير منطقة الرياض مطالعة سياسية مستفيضة في رؤية وموقف وموقع الدولة من القومية العربية. وكما أتمنى لـ«التايمس» أن تحصل على نسخة من خطاب «الطبقة الوسطى» أتمنى للصحف العربية أن تحصل على نسخة من خطاب «القومية العربية». فمن اجل أن يدرك المؤرخون المحققون والمحللون جوهر وأسس حقبة الملك فهد، حيال هاتين القضيتين، لا بد من مراجعة الوثيقتين المشار إليهما. فلا شك أن موقف الدولة منهما باق غير متغير. فالقاعدة الأساسية للحكم، تكرارا، هي التطور ضمن الأسس. وفي غمرة الشعور بالغياب تذكرنا جميعا الملك فهد السياسي والتاريخي، وغاب عنا ذلك الأب الاقتصادي الذي دمعت عيناه مرة واحدة، وهو يبلغ السعوديين انه غير قادر ذلك العام على تحقيق التوازن في الموازنة. فقد انهارت أسعار النفط تلك المرحلة على نحو مقلق، فيما كان يريد أن يدخل تاريخ بلاده على انه صرفَ في العمار والازدهار ما لم يصرفه احد من أنداده في الدول الأخرى. كان يردد دائما أن جيله ولد في زمن الشظف وان الكفاية يجب أن تبلغ الجميع. ولم يكن يطيق فكرة أن يكون شعب محتاجا أو دولة صديقة محتاجة، فجعل من السعودية صندوقا يدعم العرب والمسلمين في ديارهم وفي مآسيهم وفي أزماتهم. وسَخّر من اجل العرب والمسلمين المال في العمل الديبلوماسي. ودعم صمود الدول المحاربة والشعوب المقاتلة في سبيل كرامتها وحقوقها. لكنه منع الاعتداء على احد، وجعل الاعتدال، لا العدوان ولا التكبر ولا التعالي، الوسيلة الوحيدة لكسب الشعوب. وفيما أهدر العالم العربي، بفقرائه وأثريائه، الثروات على تمويل الثورات والحروب والانقلابات والاعتداءات، كان الراحل العظيم يصرف المال في الوساطات وحل الأزمات وإنهاء الصراعات. وقد تحمل في ذلك الكثير. وكان يواجه كل ذلك بابتسامة ويقول لمن حوله: إياكم والحقد. الحاقد لا يعرف النوم.