قراءة في خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز

TT

توقيت مناسب وشفافية عالية وصدق مطلق، هذا بالفعل ما لمسناه في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد بيعة الأمة له. الخطاب والكلمة الأولى لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد توليه مقاليد الحكم والموجهة إلى أمته تعد مؤشراً قوياً واستمراراً للعهد السعودي الذي يستقي قوته من مشاركة الصغير والكبير في النصيحة والمشورة حول قضايا الأمة. إنها كلمة وخطاب صريح لاستمرارية التآزر والتكامل بين الحاكم وأمته ليستمر العطاء في شتى مجالات الحياة السعودية كما رسمتها السياسة السعودية الراسخة منذ قيام هذا الكيان العظيم.

يريد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز المزيد من التكامل بين الحاكم والأمة من خلال مشاركة الأمة في تغذية القيادة بما يساعد على توجيه مواردها وطاقاتها نحو تحقيق العيش الرغيد والعدالة عندما قال إنه يريد أن يسمع من كافة أفراد الأمة ما يهمهم، حيث تعتبر العدالة في نظر الملك عبد الله أهم صفات الحكم في المملكة. وقد لمسنا ذلك في القرارات السياسية العديدة التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في السنوات الأخيرة من إدارته لشؤون المملكة داخلياً وخارجياً.

الحقيقة أن تركيز القيادة السعودية متمثلة في خادم الحرمين الشريفين على العدل والمساواة بين جميع أفراد الأمة سيؤدي بإذن الله إلى استمرارية التلاحم الذي يقوي البنية الداخلية للمملكة ويجعلها دولة قوية أمام التغيرات الخارجية التي نلمسها في زيادة متناغمة وغير متناغمة، ما يجعل الحاجة للتغير مطلبا وطنيا للتكيف مع هذه التغيرات العالمية التي تؤثر فينا سلباً إذا لم نكن على درجة عالية من التناسق والتعاضد مع قيادتنا التي تحتاج إلى خبرة وعلم كل مواطن لتستطيع سفينتنا مواجهة الأمواج الهائجة.

أعود للعدالة للتأكيد على أهميتها في تحقيق المواطنة الحقيقية التي تزيد من قوة تلاحم القيادة والأمة، وقد اخترت كلمة الأمة منذ بداية كتاباتي في الشأن السعودي لأنها أبلغ بكثير من الشعب. فهي كلمة رائعة في مضمونها لأن بلادنا قارة كبيرة تشتمل على قبائل كثيرة تشكل نسبة كبيرة في سكان المملكة، لذا نحن بحاجة لما يجعل الشعوب والقبائل أكثر تجانساً وتكاملاً ولتذوب الفوارق القبلية والعرقية بيننا ونصبح كما هو الحال الآن أمة سعودية مسلمة متعاضدة.

شفافية الملك عبد الله بن عبد العزيز وصدق نيته ينعكسان في هذه الكلمة الشاملة التي وجهها إلى أمته ليؤكد لها أن حاجة ونصيحة وكلمة كل مواطن مسموعة وستكون في الاعتبار. هذا يؤكد لنا أن جلالته ماض في الإصلاح الذي يعد الأساس لتطوير مناهجنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من ركائز الإصلاح الفاعل الهادف. مما لا شك فيه أن الملك عبد الله بن عبد العزيز يقترن بالإصلاح فهو من نادى بأهمية قيام الحوار الوطني بين أفراد الأمة للتناصح وقبول رأي الآخر كخطوة أولى إلى تحقيق التلاحم بين الأمة مهما كانت التباينات بين أفرادها. ويعرف جلالته من خلال خبرته الطويلة أهمية الإصلاح في مواكبة التغيرات الإقليمية والعالمية والتكيف معها بما يتماشى مع ديننا وقيمنا ورواسخنا الثابتة.

ومن المؤكد أن الحوار الحضاري سيوجه الأمة التوجيه الصحيح في وقت الأزمات الذي يفرض التوجيه الكامل لقدرات الأمة لمواجهة التحديات المصيرية العديدة التي بتنا نراها من كل حدب وصوب في الآونة الأخيرة. ويجب أن تكون الوحدة الوطنية التي تمثل لنا رابطاً قوياً بين كافة أفراد الأمة السعودية، منطلقاً نركز عليه في حوارنا الوطني من غير مجاملة أو محاباة تبعدنا عن الأهداف الحقيقية للحوار البناء الهادف الذي يبني المجتمعات الحضارية.

ولا ننسى أن الحوار الوطني البنّاء الذي نادى به الملك عبد الله بن عبد العزيز بحاجة لمقومات أساسية كالصدق والصراحة والشفافية والجرأة والموضوعية في الطرح لقضايانا المصيرية، وهي مقومات ثابتة وراسخة في شخصه الكريم.

وهنا أشدد على حرية الفكر والرأي والبعد عن التكلف والمحاباة لأننا نخدم أمة بكاملها، صغيرها وكبيرها، رجلها وامرأتها، فقيرها وغنيها. فالخوف لا يوفر البيئة المناسبة للفكر الحضاري والرأي المستقل الذي يصب في المصلحة المشتركة للوطن، فالأمور ليست كما كانت عليه، مما يفرض علينا جميعاً واقعاً جديداً يجب أن نتفاعل معه بما يخدم وحدتنا ومصلحتنا المشتركة التي تدعم وحدة الوطن.

خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز يؤكد حرية الإدلاء بالرأي لكل مواطن في حدود الشريعة الإسلامية وما يحفظ للآخرين حقوقهم، لذا نجد الثوابت قوية وتزيل الخوف من التعبير الصادق البناء.

وفي خضم الأحداث المحلية والعالمية التي يتضح تأثيرها على المملكة تتطلع القيادة السعودية إلى مشاركة مفكري ومثقفي الأمة في ما يهمها من أمور سياسية واقتصادية واجتماعية، لذا فقيام ولي العهد، في حينه، الأمير عبد الله بن عبد العزيز بإعلان تأسيس المركز الوطني للحوار يعتبر حدثاً تاريخياً للمملكة. وقد كان لهذا المركز الفتي الدور الكبير في بناء مجتمع ناضج فكرياً بعيداً عن المهاترات والغوغائية التي لا تعكس البعد الفكري والحضاري للأمة.

وصدرت الكثير من القرارات الاقتصادية والسياسية برؤية ورغبة صادقة من الملك عبد الله بن عبد العزيز لإصلاح الشأن الوطني والنهوض به. كان جلالته ولا يزال رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى الذي صدرت عنه العديد من القرارات الاقتصادية الحاسمة.

وخلاصة خطاب الملك عبد الله تشير إلى أهمية المواطن السعودي والأمة قاطبة في صنع القرارات التي تهم حياتنا في كل جانب من جوانبها، لذا لا غنى لنا عن قيادتنا الحكيمة ولا غنى لها عن رأي ومشورة الأمة.

نرجو لقيادتنا الرشيدة التوفيق والسداد في تحقيق رسالة هذه البلاد ولخدمة الأمة التي يجب عليها التلاحم والتكاتف حول قيادتها لنكون أمة ناجحة بين الأمم بكل المقاييس.

* أكاديمي سعودي

في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

[email protected]