على مكتب الملك (2 ـ 2)

TT

ليست المائة يوم الأولى من حكم الملك عبد الله بن عبد العزيز هي المحك، لكنها ستكون مرشدا للمتابعين. كيف سيعالج شؤون المملكة الصعبة، كالدين العام، والبطالة، والتهديد الخارجي، والإصلاح السياسي الداخلي، وحقوق المرأة. فالإرهاب ملفه مفتوح ولن يكون علاجه سريعا، رغم ان الأمن السعودي كسب كل معاركه الماضية، وذلك بسبب جذر الإرهاب الفكري. الطريق الى هزيمة الارهاب تتطلب مواجهة التطرف. والتطرف ألحق الكثير من الضرر بسمعة المملكة خارجيا، حيث تتزايد الاصوات في عدد من الدول المتضررة، فترجع المشكلة تحديدا الى السعودية وتلومها، بدعوى انها الدولة المعنية بالشأن الاسلامي اكثر من غيرها. ومهما قيل وقيل من اتهامات، الا ان الحل سيبقى في يد المجتمع الدولي متعاونا ان اراد استئصاله.

في الشأن الخارجي امام الملك معضلة العلاقات الاقليمية المعقدة. فالسعودية تسكن في اقليم مضطرب دائما، وهاجسها الكبير هو الأمن الخارجي الذي يعرفه العاهل السعودي من تجاربه الماضية. قبالة حدوده، على الواجهة المائية الشرقية، توجد ايران التي لا تزال تقلق قراراتها الداخلية وتصريحات مسؤوليها كل دول المنطقة، مثل استمرارها في البناء النووي، واستمرارها في احتضان قيادات القاعدة التي نفذت عمليات ارهابية في داخل المملكة، واستمرارها في استضافة منفذي تفجير الخبر الذي وقع في منتصف التسعينات. وعلى الحدود الشمالية يوجد العراق المضطرب الذي يمكن أن تأتي منه رياح جهنم المقبلة. الرياض ومن مصلحتها الأكيدة تريد عراقا مستقرا، بحكومة مركزية قوية، لكن لا تدري بعد كيف ومتى، وما اذا افلتت الامور هناك ليصبح الجار مصدر خطر مستقبلي. وهناك الولايات المتحدة، التي صارت مجاورة في قطر والعراق، عبر قواعدها وحضورها العسكري والسياسي الكثيفين. والعلة في واشنطن ليست نواياها بل اسوأ من ذلك، أي أفعالها، مثل قراراتها الخرقاء يوم حلت الجيش والأمن العراقيين. ومشكلة الرياض المزمنة مع واشنطن عجزها المستمر في فرض حل سلمي على اسرائيل وإنهاء هذه القضية العتيقة. لكن لا ننسى ان العلاقة بين الدولتين ذات دوائر متعددة، والسعودية هي عامل لصالح العرب كونها الدولة الأكثر تأثيرا والأهم في المصالح مع واشنطن. وللملك عبد الله شخصيا تأثير ايجابي على البيت الأبيض اكثر من اي زعيم آخر في المنطقة.

واذا كانت هذه المصاعب التي تواجه الملك الجديد تبدو مقلقة، فإنها تمثل جزءا من الصورة والجزء الآخر يدعو للتفاؤل. فهو يفتتح عهده الأول ملكا بعام خير، حيث من المتوقع ان تحقق الدولة اكبر مداخيل في تاريخ السعودية، بنحو ثمان واربعين في المائة مداخيل إضافية اكثر من العام الماضي. ارتفاع الدخل، وتناقص الدين، وعرس سوق الاسهم الذي شمل الطبقات الدنيا من المجتمع، وهزيمة الإرهاب في معاركه الماضية، والشروع في الاصلاح السياسي، والتطوير الاقتصادي، ودخول السعودية الوشيك لمنظمة التجارة العالمية نهاية هذا العام، وكذلك كسب السعودية معاركها الخارجية بما فيها القضايا الخطيرة في المحاكم الاميركية، كلها ايجابيات يفتتح بها الملك عبد الله بن عبد العزيز حكمه وتبشر بالخير.

[email protected]