استاهل

TT

دراستي هي في مجال الفن والتصميم والديكور، وكذلك مهنتي، وذلك على مبدأ: (سعيد من كانت هوايته مهنته).. والواقع أنني لم أكن سعيداً جداً ولم أغص في أعماق السعادة بعد، ولكنني والحمد لله أسير على أطرافها وحوافيها، فعلى الأقل أسير أحياناً وأنا حافي القدمين من دون أن أطأ الأشواك، وهذه نعمة عظيمة لمن يقدرها، وأنا شخصياً اقدر النعمة وغير النعمة طالما أنني اربح حياتي بدون ما صداع لدماغي من احد.

وبحكم أنني كنت أريد أن أكون على رأس عملي وملمّا بكل مراحله، كأي رجل ينشد النجاح والتفوق، فلا بد وان أتحرك واشرف على كل كبيرة وصغيرة، وهذا هو ما كان، فقد ذهبت يوما إلى منزل احد الزبائن، وقد أخذنا مشروعاً صغيراً بقسم منه، ووصلت إلى المنزل متأخراً كثيراً عن الوقت المفروض أن احضر فيه، وإنما ظني أن عامل الورق الذي يلصقه على حوائط إحدى الغرف قد الصقه (بالشقلوب) ـ أي رأسا على عقب ـ، والمشكلة انه قد قطع ثلاثة أرباع المشوار، واسقط بيدي، وأخذت اقلب الأمور ووجدت أنها كلها (عويصة)، أولاً هناك خطأ يجب إصلاحه، وإصلاحه يتطلب نزع كل ما الصق من ورق، ونوعية الورق الذي اختارته الزبونة (ست البيت) غير متوفر بالسوق، حيث انه طلب من الخارج بالطائرة، وحتى لو افترضنا جدلا انها وافقت على ذلك، فهذا سوف يكون على حسابي، ومعنى ذلك أنني سوف اخرج من المولد (بدون حمص)، ولكن بدون ازرار لثوبي كذلك، فالخسارة سوف تكون مؤكدة (مئه x مئه)، والأمر الآخر الذي هو (أدهى وأمر) ان نص العقد يشترط إنهاء العمل وتسليمه في وقت محدد ينتهي بعد يومين، وإذا كان هناك أي تأخير (فالغرامات) حاصلة حاصلة.

فأين اذهب يا ربي، وكيف أنفذ من هذه الورطة؟!، وتذكرت بشيء من الحماس والقنوط معاً، تذكرت قول طارق بن زياد: البحر وراءكم والعدو أمامكم فأين المفر؟!.. أي أن (ست البيت) أمامي والغرامات ورائي فأعمل إيه في هذه (الحوسة المنّيلة).

قدحت زناد فكري أكثر وأكثر فوجدته عطلان لا تقدح به ولا شرارة واحدة، فنحيت فكري جانباً، وعقدت العزم على (الهروب إلى الأمام) ـ أي الاستمرار بالعمل ـ، فالنقوش على ورق الجدران يحتمل التقليب والتفسير ـ أو هكذا بدا لي وحاولت به خداع نفسي ـ، فقلت للعامل استمر على نفس المنوال الذي أنت فيه، وفعلاً انتهى من عمله على (أتعس لا أكمل وجه).

وفي اليوم التالي الذي هو يوم التسليم، حضرت إلى الموقع باكراً، وكنت (متأنتكاً) ـ أي شياكتي كانت لافتة للنظر فعلاً ـ، ووصلت (ست البيت) المحترمة، وسلمت عليّ بأدب جم، ورددت على سلامها بالدعاء لها بالمسكن الهانئ المريح، وأخذت تقلّب بصرها على الحيطان وتبتسم وتردد: (ما شاء الله، ما شاء الله، رائع، جميل، يجنن، يهبل)، وكانت كل ما تقول كلمة (انبير) السعادة عندي يرتفع أكثر وأكثر، وكانت هي تضحك وانا (اسطح)، واقول بيني وبين نفسي، لقد (مشيت الحيلة عليها هذه الهبلة).. وبعد قليل خرجت بعد أن ودعتني بالمزيد من التشكرات، وتسلم يدينكم، ويعطيكم العافية.

وفي اليوم التالي وصلني مظروف بداخله الشيك، ففتحته على عجل وأنا أترنم بأغنية فرايحية، غير أنني صدمت عندما قرأته، وكان كل رقم وكلمة فيه مكتوبة رأسا على عقب، حتى اسمي كان (مشقلباً).

والآن لا بد وان اعترف وأقول: (استاهل كل ما جرى لي).

[email protected]