الانسحاب من غزة: العد التنازلي والدور المصري المرتقب

TT

مــع اقتراب اســــتحــقاق الانســـــحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، فان دوراً مصرياً مرتقباً يفترض به أن يصب باتجاه تمكين الفلسطينيين من السيطرة الكاملة على مناطق القطاع الحدودية الفلسطينية المصرية، ورفض تصورات أجهزة الأمن الاسرائيلية الساعية لبلورة خطوط اختراق جغرافية عسكرية اسرائيلية جاهزة بشكل دائم نحو مختلف مناطق القطاع على هيئة «سحاب الثوب» تبدأ من محور فيلادلفيا / محور صلاح الدين، على الحدود الفلسطينية / المصرية وتلتف نحو الخط الفاصل بين مناطق القطاع ومناطق 1948 حتى معبر بيت حانون / معبر ايرتز، فقد باتت عملية انسحاب قوات الاحتلال من معظم مناطق قطاع غزة مسألة مؤكدة، في ظل مساعي شارون للتخلص من أعباء وكلفة الاحتلال الباهظة لمناطق القطاع.

ومن الطبيعي أن تشهد الحالة الفلسطينية سلسلة من التطورات والتجاذبات لتحديد الاستحقاق الفلسطيني المترتب على العملية اياها، خصوصاً وأن القاهرة بثقلها الاقليمي ودورها في الملف الفلسطيني، حاضرة بقوة، من أجل تخفيف وطأة المبتغى الذي يسعى اليه شارون، والهادف الى بث الفوضى في القطاع وارباك الحالة السياسية والعسكرية الفلسطينية. ولحسن سير الأمور، فان كل المؤشرات تقول بان القاهرة تتفهم المخاوف الفلسطينية، لذلك فهي تعمل على تطمين الأطراف الفلسطينية، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد الاسلامي وباقي القوى الفاعلة داخل القطاع.

لكن سلوك الطرف الإسرائيلي الذي يصر على تحجيم الدور المصري الى دور أمني دونه السياسي، يقتضي بالضرورة موقفاً مصرياً حازماً ورافضاً لكل الاشتراطات الأمنية الاسرائيلية من نمط نشر قوات مصرية بكثافة على طول محور رفح / فيلادلفيا، الفاصل بين الخط الدولي لفلسطين عن مصر العربية.

بعد هذا يمكن القول، ان اللغط المتواصل الذي أثاره شارون بالنسبة لخطته القاضية بتنفيذ «انسحاب أحادي» و«فوضوي من قطاع غزة» لم يكن سوى جزء من العملية المدروسة اسرائيلياً داخل أجهزة الأمن والجيش في أعلى مستوياتها. فقد أعطى شارون أخيراً إشارات واضحة يؤكد عبرها أن قرار حكومته القاضي بالانسحاب من قطاع غزة في اطار تنفيذ خطته للفصل الأحادي قرار نهائي. حيث لم ينتظر شارون موافقة قاعدة حزب الليكود، ولم يتوقف عند قرار مجلس الوزراء الذي اكتفى بإعطاء موافقته «المبدئية» على هذه الخطة، بل انطلق في اتجاه تنفيذ أهدافه معتمداً على أن المؤسسة الأمنية العسكرية تريد التخلص من غزة وأعباء قطاع غزة التي أثقلت كاهل الجيش الاسرائيلي ومرغت حياة المستعمرين هناك بالرمال والتراب.

وبذا تكون حكومة اسرائيل اليمينية المتطرفة برئاسة صانع المستوطنات ارييل شارون قد كررت بموافقتها على اقتراح اخلاء جميع مستوطنات قطاع غزة في غضون عام ونصف العام، ما كانت قد وافقت عليه حكومة مناحيم بيغن اليمينية المتطرفة التي أخلت مستعمرات صحراء سيناء ومدينة ياميت اثر اتفاق كامب ديفيد الأول عام 1979، مع فارق الظروف والمعطيات.

ومن هنا نستطيع القول بان تقديرات الجهات المصرية المسؤولة، تقر بأن خطة الانفصال دون نقل السيطرة المنظمة إلى الجهة الفلسطينية الرسمية، ستخلف فراغاً سياسياً وأمنياً من شأنه أن يؤدي الى فوضى واضطراب، وأن وضعاً كهذا من شأنه أن يرهق مصر والفلسطينيين معاً. ومن هنا، أهمية بناء قوة سياسية مشتركة من كل التيارات الفلسطينية الفاعلة والمؤثرة في قطاع غزة، مع قوة امنية منتخبة، يمكن لمصر أن تزودها بالسلاح المناسب وبالذخائر وكذلك بأعتدة الدعم اللوجستية المرافقة، بما في ذلك بناء منشآت امنية، وبذا تنتفي المساعي الاسرائيلية الأمريكية لتوريط المصريين وتحويل أعداد من قواتهم وتوظيفها أمنياً على أبواب قطاع غزة، ووضعهم في حالة احتكاك وتصادم مع باقي الأطراف الفلسطينية.

* كاتب فلسطيني مقيم بدمشق