العبيكانية

TT

عندما انطلقت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لمحاربة مظاهر الوثنية والشرك التي كانت قد انتشرت في مواقع مختلفة من الجزيرة العربية، كانت بداية لحركة تصحيحية مهمة للتصدي لأفكار الجهل والضلال.

والسعودية الحديثة، وهي الدولة التي قامت على توافق سياسي ديني مميز وفريد من نوعه في المنطقة، شهدت خلال السنوات الماضية تجاذبا فكريا دينيا ملحوظا، لعل أهم نتاجه جنوح بعض تابعي فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عن معنى الدعوة الاصلي وغلوهم وتنطعهم في آراء عديدة ومتنوعة.

اليوم وبإيقاع واضح يبدو أن هناك مراجعة جادة داخل مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسها للآراء المتشددة التي اتبعها البعض. فالضلال والشرك والجهل الذي انطلقت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لمحاربته، يبدو أن هناك حركة جديدة مطلوبة لمواجهة التكفير والجهل والترهيب الذي استشرى في الكثير من هذه الارض الطيبة.

ولعل الصوت الأكثر تميزا في هذا الموضوع هو صوت الشيخ عبد المحسن العبيكان، الذي يقدم صورة مبشرة وبأسلوب حضاري راقي، يعتمد على المجادلة بالتي هي أحسن، مذكرا بأسلوب المشايخ الأجلاء حسن آل الشيخ وعبد العزيز المسند ومحمد الحركان.

«العبيكانية» كما يحلو للبعض تسميتها هي حركة تصحيحية داخل مدرسة سلفية تقليدية، والخطاب المتجدد والذي يقدمه الشيخ عبد المحسن العبيكان، أهميته تكمن في جزئيتين رئيسيتين. الجزئية الأولى هي الاسلوب والنهج والطريقة، فهو يقدم أسلوبا يجاري فيه الاحترام المطلوب للرأي وحسن الاصغاء ولطافة اللسان. الجزئية الثانية فهو انفتاحه التدريجي على مذاهب أهل السنة والجماعة بصورة أكبر وأوضح. الافتاء بجواز تحية العلم والضرب على الدفوف فتويان بسيطتان جدا، ومع ذلك تعرض الشيخ العبيكان لهجوم «منظم» بدقة للاقلال من رأيه والانكار عليه، ولكن هاتين الفتويين هما فقط بمثابة رأس الجليد المغمور تحت الماء، وما خفي كان أعظم. الشيخ العبيكان يسير في حقل ألغام، يزيل لغما تلو الآخر من الآراء الدخيلة والخطيرة التي بسببها نحيا دمارا ونعيش عنفا أودى بحياة العديد من الابرياء وحجر على غيرهم.

العبيكانية حركة مهمة ومطلوب مساندتها وبشدة . وليس أجمل من حوار جميل حضرته بين اثنين من الدعاة في السعودية حين أبدى أحدهم مديحا كبيرا في الشيخ وفي نهجه وآرائه فسأله زميله: «لماذا تحب العبيكان ؟» فأجاب «هذه بسيطة ، باختصار... لأنه يبتسم ؟».