الجريمة الموحدة للأمة!

TT

كلما تعددت زياراتي للعواصم العربية أيقنت أن هناك مؤامرة على الإنسان يخطط لها وينفذها، ومن أجل ماذا؟ من أجل أن يقتل نفسه..! هناك مؤامرة على الحياة وصمت على المؤامرة. إنها مؤامرة ضد البيئة النظيفة بعد أن تحولت مدن عربية كثيرة إلى أحياء تغطيها سحب من الدخان. وبعد أن أصبح العرب يخافون من أن يشربوا من مياه أنهارهم، وبعد أن امتدت المؤامرة إلى البحر فأتلفت الثروة السمكية وألقت بالمخلفات والمواد السامة في الأنهار والبحار والصحاري..!

نحزن عادة عندما يموت إنسان، نحزن لموت الزهور والأشياء الجميلة الصغيرة، لكننا ننظر إلى موت الأنهار والمدن اختناقا بصمت مريب، وننسى أنه عندما يموت نهر تموت حياة بأكملها، ويتعفن جزء من رئة الكون التي تضيق كل يوم بسبب تلوث الماء والجو والصحراء..!

هل المطلوب أن نفتح مجلسا للعزاء نعلن فيه موت البيئة وتلوث الطعام والماء والهواء؟ هل ندعو ما تبقى حيا من طيور النورس والأسماك الملونة والنباتات البرية لمشاهدة الحفل؟ هل وصل الإنسان إلى هذه الدرجة من الأنانية والجهل بقتل البيئة التي يعيش فيها، ويتنفس من هوائها ويأكل من طعامها ويشرب من مائها؟ أليس القاتل في هذه الحالة هو المقتول؟ هل يقتل الناس أنهارهم ومدنهم بالتلوث بدون أن يقتلوا أنفسهم؟!

نفهم ولا نتفهم أن يقتل الإنسان أخاه الإنسان..! نفهم ولا نتفهم أن يطلق الإنسان النار على غزالة شاردة ثم يقيم حفلة فرح على دمها المهدور، لكنه أمر بشع أن تصل قوة الإنسان التدميرية إلى انتحار جماعي بدم بارد..!

في المدن العربية يعرضون الخبز مكشوفا على الأرصفة، ويعرضون الأحذية في «الفترينات» النظيفة. وفي كل أدبيات الحكومات وخطب الزعماء وبرامج الأحزاب والحملات الانتخابية يبقى الغائب الأكبر هو البيئة. فالمؤامرة على البيئة تشارك فيها الحكومات والمعارضة; ليبرالية وإسلامية، وكذلك الصغار والكبار..! هل رأيتم أمة يوحدها قتل نفسها والصمت على هذا القتل..!

ستتحول بيوتنا جميعا إلى شواهد قبور وأنهارنا إلى مستنقعات تستقبل المجاري. وإذا استمر الأمر على هذه السرعة في التدمير، فإن جريمة كبرى سَتُرتكب ضد أطفالنا وضد الذين يتكونون في أرحام أمهاتهم..!