اتصل بي احدهم وسألني سؤالاً مفاجئاً لم أتوقعه وقال: أرجوك جاوبني بصراحة، أيهما أطول عمراً.. الإنسان أم الكلب؟!، واعتقدت انه يمزح، فقلت له بعد أن رفعت حواجبي مقدار شبر واحد من شدة الدهشة: نعم يا خويا؟! فكرر سؤاله مرة أخرى بجدية أكثر، فقلت له: اعتقد أن متوسط عمر الإنسان أطول من عمر الكلب مرتين أو ثلاث مرات، ولكن لماذا سألتني هذا السؤال العبيط؟!
فقال لي: اصل الحكاية وما فيها أن لي قريباً يعمل عند رجل وزوجته في سويسرا منذ ما يقارب ثلاثين عاماً، والزوجان يهوديان وليس لهما أبناء وتوفيا في وقت متقارب، وأوصيا أن يعود منزلهما الباهظ الثمن لخادمهما وكلبهما معاً بالتساوي، فإذا مات الخادم قبل الكلب أصبح المنزل للكلب إلى أن (يفطس)، وبعدها يباع ويذهب ثمنه للجمعيات الخيرية، أما إذا مات الكلب قبل الخادم فيكون المنزل للخادم يتصرف فيه كما يشاء.
قلت لمحدثي: اطمئن فعمر الإنسان أطول من عمر الكلب، فقال لي: صدقتك غير أن المشكلة أن الكلب صغير، وهو يتمتع بصحة جيدة، وفوق ذلك هناك أطباء بيطريون يتولون اعتماد تغذيته، ويكشفون عليه أسبوعياً خوفاً من تسميمه، ويمدونه بالفيتامينات المنشطة والمقوية، كما أن قريبي أصبح شيخاً طاعناً بالسن ويعاني من أمراض متعددة.. (وحبكت) معي، فسألته سؤالاً في منتهى البياخة وقلت: في هذه الحالة لو انك كنت في نفس الوضع مَنْ كنت تتمنى أن تكون.. الشيخ المريض الذي هو على حافة القبر، أم (الجرو) اللعوب الذي يهز ذيله باستمرار دلالة السعادة والعافية؟!.. فصمت قليلاً وكأنه كان يفكر في العرض المغري، (فعين في اللحمة وعين في الشحمة)، وتنهد قائلاً: والله انك أحرجتني.
فقلت له ـ رغم أنني عارف هو يتمنى أن يكون إيه ـ: ولا يهمك انس الموضوع ولا تشغل بالك به كثيراً، فقال: وكيف أنساه وهناك نساء وأطفال وأقارب مستقبلهم متوقف على ثمن ذلك المنزل الذي سوف ينتشلهم من وهدة الفقر إلى حياة أفضل؟!، قلت له: إذن عليك بالدعاء، قال: إنني أدعو ليل نهار حتى وأنا في أحلام نومي أدعو، قلت له: ماذا تقول في دعائك؟!، قال إنني أقول: اللهم أمت الكلب، اللهم أمت الكلب، قلت له: لقد ارتكبت إثماً، وكان يجب عليك أن تقول: اللهم اطل عمر قريبي، فقال لي: أعدك بذلك ثم أنهى المكالمة.
أما (أهبل) وصية فهي وصية ذلك الفرنسي الذي خلّف ثروة طائلة، فأوصى بها لامرأة كانت قد رفضت بازدراء أن تتزوجه قبل عشرين عاماً، وذلك لأنها على حد قوله: أعطته الفرصة لكي يعيش حياة عزوبية صاخبة وسعيدة، فهو يشكرها ويكافئها على ذلك.
أقول لكم الحق: (يا بـختها) لقد أمسكت المجد من طرفيه، فهي لم تتزوج ذلك (المرجوج)، وأخذت في نهاية المطاف كامل ثروته.. أليس صحيحا مثلما قال أحدهم إن: (العالم ليس عقلاًً)؟!