يا ابراهيم لا تحزن

TT

هاجم الروائي الليبي إبراهيم الكوني حال المثقفين العرب المايل، في معرض لقاء معه، بمناسبة تكريم الحكومة السويسرية له، والتي منحته أرفع جوائزها (جائزة الدولة الاستثنائية الكبرى)، أعلى جائزة في بيرن السويد، قال ان «المثقفين العرب تحكمهم الأهواء، والعلاقات الشخصية بالكاتب، وهم لا ينظرون الى النص الإبداعي، بل الى شخص الكاتب، ومدى علاقتهم به، ووضعه السياسي ونفوذه في أوساط معينة، وتحكمهم نوايا أخرى. مع أن المفروض الذي يحكم هنا هو النص، وليس الشخص (الكاتب).

خلال مؤتمر الرواية العربية، مطلع هذا العام في القاهرة، شعرت أن المثقفين العرب لديهم أسبقيات معينة، إذا جاز التعبير، وهناك ترتيب ديموغرافي معين للكتاب بحسب جنسياتهم، وعندما يظهر مبدع حقيقي ويخلط الأوراق يحقدون عليه، فإذا طلع عليهم إبراهيم الكوني، وهو صحراوي من ليبيا، التي أعتقد أنها دولة مظلومة على الساحة الثقافية العربية، يعتقدون أن الصحراء لا يمكن أن تنجب مبدعين كبارا.. المناخ الثقافي في العالم العربي يعاني حالة مرضية اسمها «أزمة ضمير»، ولقد شعرت بهذا المرض في كل مكان ذهبت إليه في الوطن العربي. الثقافة العربية لا يمكنها أن تتحرر من مرضها ما لم تعترف به، وهو الآيديولوجيا المهيمنة عليها، وهذه كارثة. وبصراحة.. لم يعد يهمني أن يحتفي بي العالم العربي.

سيرة ابراهيم الكوني الذي يجيد تسع لغات وكتب ستين كتاب حتى الآن، ويعيش عزلة المثقف عن الأغيار من الغوغاء، بجمع المعارف، والصبر على متطلباتها، من عزلة ومران وتدريب، لا تشبه سيرته معظم مثقفينا العرب، فكثير منهم يعتقدون أن الإبداع يهبط عليهم وهم يدخنون (الأركيلة) في المقهى، بين صياح الباعة، وضجيج الشارع بحجة الالتصاق بالشارع، أما في حقل المعارف، فإن قدوتهم هم الفاشلون في دراستهم من النوابغ والأدباء والعاطلين عن العمل، بل أن بعضهم يفضل نوع معينا من خريجي السجون، والنائمين على الرصيف كجان جينيه الفرنسي الذي وجد نفسه لقيطا دون خيار، كمثال للمثقف الحقيقي!.

أما العامل الدؤوب، والمبدع المتعلم، الشغوف بالمعرفة، فهو آخر نموذج يسرهم الحديث عنه. لكن رغم كل هذا فابراهيم الكوني لم يكن موضوعيا في محاكمته للمناخ الثقافي الفاسد، ليس إلا انعكاسا لفساد كل المناخات المحيطة به، فكيف يصلح حال المثقفين وبعضهم يعتبرون أنفسهم، موظفين في حقل الثقافة، ويجلسون على مقاعد العمل فيها حتى يشيخون ويبلغون من العمر عتيا ولا يستطيع أحد أن يحرك لهم مقعدا، فيكثر حولهم المنافقون الذين يضطرهم الدخول إلى ممالكهم ويتلون على مسامعهم إن كتابتهم ملاحم عربية تكتب بماء الذهب.

كيف يصلح حالا ثقافيا يصحو فيه مثقف مثل عبد المحسن الخفاجي صباحه، ليكتب من سجن العراق رسالة، لجورج بوش (مصلح هذه الأمة) جزاه الله عنا كل خير، يسأله أن يطلق حريته التي سلبت منه، ونسي القائمون على سلب الحريات أنه سجين حتى جاء بوش و(عفسها) من جديد، أو قاصا سعوديا يطلب من وزير الثقافة أن يدفع له فاتورة إصلاح يده المكسورة، ليعاود الكتابة بها، ومن تسول للحرية، وتسول لإصلاح اليد المكسورة (يا ابراهيم لا تحزن).

[email protected]