غزة.. المشهد غير مألوف

TT

القوات الاسرائيلية تطوق المكان.. عائلات بشبابها وشيبها ونسائها تعتصم رافضة الرحيل وإخلاء المساكن.. مواجهات بالقوة بين الشرطة والمعتصمين. بضع ركلات وصيحات ودموع وترحيل بالقوة..

تكاد هذه المشاهد تكون تكراراً شبه وحيد للصورة اليومية التي تتناقلها الفضائيات والقنوات العربية والعالمية منذ سنوات لحال العائلات الفلسطينية التي تجبرها قوات الاحتلال الاسرائيلي على ترك منازلها عنوة ومن ثم تعمد تلك العناصر إلى هدم المنزل وتحويله ركاماً.

كان المشهد عادة يختتم بصورة شيخ أو امرأة تبكي على أطلال البيت فيما ينظر أولاد صغار بحيرة حزينة إلى الوضع المعقد والعصِيِّ على فهمهم..

منذ أيام تبدلت الصورة لأول مرة في غزة..

هناك عائلات أجبرت بالقوة على مغادرة منازلها لكنها هذه المرة عائلات المستوطنين الاسرائيليين وليست عائلات فلسطينية..

بدت الصورة مثيرة للاهتمام وفيها عناصر مستجدة على الخبر الفلسطيني لم يسبق أن تعامل معها الإعلام العربي من قبل.. ثمة ما يشير إلى أن حقاً ولو بسيطاً يعود إلى الفلسطينيين، وبالتالي فإن اسئلة ومعضلات عديدة ستترافق مع هذا الأمر..

المشهد الذي يصلن إلينا هذه الأيام من غزة حيوي وغير مألوف وخرقت مدلولاته رتابة خبر المأساة الفلسطينية والذي كنا استكنا وتواطأنا بصمت على قبوله بصفته واقعاَ كاد يفقد لتكراره بعده الانساني في وجداننا كمشاهدين معنيين بالخبر والقضية.

الصورة مختلفة..

بدت المشاهد المبثوثة مباشرة على الهواء من غزة أشبه بإعلان أجندة جديدة للتغطية الإخبارية للوضع الفلسطيني وأبعاده المستجدة، والتي كادت تذوي حرارتها في حمأة يوميات القتل المجاني في العراق. إنه تحد جديد ربما يجدر بإعلامنا الفضائي تحديداً أن يتوقف عنده. كانت التغطية الاعلامية للانسحاب الاسرائيلي من غزة موسعة في معظم القنوات، ولكننا هنا حيال لحظة من الصعب تفادي إرباكاتها. أن تنقلب الصورة وإن بقي الاسرائيلي جانياً والفلسطيني ضحية فالأمر مختلف هذه المرة.. اهتزت الكاميرات وارتبكت الأقلام، وماذا نقول نحن الذين لم نتعلم غير تغطية مأساتنا. نحن هنا حيال نصر صغير فماذا نفعل؟. مذيعة لاحظت ان الجنود لا يتعاملون مع المستوطنين الرافضين اخلاء بيوتهم بالخشونة نفسها التي يتعاملون فيها مع الفلسطينيين في اوقات مماثلة!!!. انها بمعنى ما تعترف بحق الجندي في ان يمارس العنف ولكن أن يكون عادلا في ممارسته له (الظلم العام... عدل عام) بحسبها طبعا. انها واحدة من صور الإرباك الذي خلفه فينا هذا النصر الصغير، والمراقب لن يعدم صوراً أخرى، فالعداء مستحكم بين الكاميرا العربية والمشهد الاسرائيلي كما هو مستحكم بين المشهد العربي والكاميرا الاسرائيلية. واستضافة مسؤولين اسرائيليين كبار لا تجسر الهوة وشعار «إعرف عدوك» يعيق معرفته حتى وإن كان يهدف إلى التعريف به.

من المؤكد أن الإعلام والصحافة العربية مقصران في تقديم مادة للمشاهدين والقراء تقرب إليهم الواقع الاسرائيلي.. هذا التقصير مرده بالتأكيد تلك المقاطعة العمياء للكثير من المعطيات الاسرائيلية التي لا تساعد على فهمنا لواقع نحن في أمسِّ الحاجة لفهمه.

إنها واحدة من أكثر صور الإرباك دلالة..

diana@ asharqalawsat.com