و... محاربة الأوهام الضارة

TT

ماذا يعني رجل مثل سيف الإسلام القذافي عندما يتحدث عن «المحاكم الوهمية»؟ يعني، بالتأكيد التهم الملفقة والاحكام الظالمة. وهذه مسائل لم تحدث في ليبيا وحدها بعد قيام «حكم الشعب». هذه الأوهام الدموية عمت العالم العربي منذ ان بدأت ثقافة الانقلاب والبلاغ الرقم واحد. ومنذ ان اعتبر الضباط انهم يملكون الدبابة وبالتالي الحق الالهي في الحكم. ولذلك كان الانقلابيون من العسكر والمنقلبون ايضاً. ومع كل انقلاب كانت تقوم على الفور محكمة صورية تنعت المقلوب بالصفات التي اطلقها على من قبله. بائد او خائن او حقير. والاحكام دائماً باسم الشعب. أليست الثورة هي الشعب والشعب هو الثورة؟ لم يعرف العالم العربي سوى الاوهام: وحدات لا تقوم. وحريات لا تبني سوى السجون. وإعدامات بالجملة في باحاتها. وشعوب تذل وتهان في الطرقات والبيوت لكي تتعلم مرة واحدة ان حقها الوحيد في الحياة هو الصمت.

صحيح ان الصيغة الليبية من «المحاكم » منسوخة عن النموذج الصيني، وهو الأكثر حداثة. في حين النماذج الاخرى نسخت عن الثورة الفرنسية او البولشفية. وكان النسخ غاية في الامانة والاتقان: تستولى على السلطة مجموعة او مجلس قيادة. ثم يختفي «اعضاء» المجلس الثوري الواحد بعد الآخر. ولا يعود ذكر لأحد. ولا اثر لأحد. ولا اسم لأحد. فهم ليسوا سوى مجموعة من «المنحرفين» و«المرتدين» و«الخونة». وحيث امكن الأمر يتولى القائد الجديد بنفسه ابلاغ القائد المخلوع بقرار الاعدام، كما حدث بين عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم. فبعد ان ابلغ «الابن البار» «الزعيم الاوحد» بقرار الاعدام خرج من الغرفة ليصغي في الخارج الى صوت الرشاش. لم يطاوعه قلبه ان يرى مشهد الدم.

تكرر المشهد في دول عربية كثيرة. وعندما سجن الفرنسيون احمد بن بيللا لفترة، كان ذلك سبباً لقيام العرب في كل مكان. وعندما حكم رفيق بن بيللا رئيسه بالسجن مدى الحياة، حيث اقام وحيث خطبت له امه عروسه، لم يتحرك وسيط عربي. ولا مستنكر عربي. ولا رئيس عربي من اولئك الذين كانوا يرون في بن بيللا بطلاً وملهماً ونموذجاً لمعركة الحرية مع الاستعمار.

من غير العدل ان تحاسب «المحاكم الوهمية» او الصورية او المزيفة، في بلد واحد. هناك ظلم على مدى الأمة وزيف وزيغ كبير. ويجب إعادة النظر في ما تعرضت له الشعوب من قهر وكيد طوال نصف قرن. وما دام السيد سيف الإسلام القذافي يتحدث في حقوق الانسان فإنني اتمنى عليه ان يدعو العالم العربي الى رمي الشعارات الوهمية ورفع شعار واحد هو الانسان العربي. كل شيء آخر يأتي لاحقاً.