الوجه المشرق للقارئ الثقيل

TT

اشرت في مقالتي السابقة الى ظاهرة القارئ الثقيل الذي يضايقك في قراءة جريدتك في القطار او الباص ويتطفل عليها. بالطبع نحن الصحافيين نمقت هذا المتطفل. فهو يقرأ جريدتنا مجانا ونحن نريده ان يشتريها. ومع ذلك فهناك جانب مشرق لهذه الظاهرة فهي تنم عن روح اشتراكية واجتماعية وتعاونية. اثنان يتعاونان في القراءة. علينا ان نستبشر بهذا الموضوع ونعتز به. ربما يكون القارئ المتطفل أحد العلماء فيقرأ خبرا علميا مهماً فلا يصل الى مكانه حتى يباشر بتجربته وتطويره، واذا به يكتشف دواء للسرطان. ملايين من الناس الذين يشفون من المرض سيكونون مدينين لك بالشكر لسماحك للعالم بالتطفل على جريدتك.

ربما يكون القارئ الثقيل لاجئا من العراق ويعاني من الكآبة ويفكر بالانتحار والتخلص من حياته ثم يقرأ عما يجري في بلاده فينتعش بخروجه ونجاته وبقائه حيا ويقضي بقية النهار في بهجة ورضا.

ربما يجلس بجانبك في القطار أحد الارهابيين الانتحاريين وقد شد على بطنه حزام القنبلة. تسنح له ان يتطلع الى جريدتك فيقرأ ما فيها من قصص الغرام وينغمس بقراءتها ويفوت عليه موعد التفجير ويصل القطار نهاية الخط سالما. وتسلم معه انت وجريدتك.

الشيء المزعج في ظاهرة التطفل الجرائدي هو انها ظاهرة فيها تمييز جنسي بين الرجال والنساء. لم تشملها بعد حركة تحرر المرأة والمساواة. فلم الاحظ بعد امرأة في القطار تتطفل عليَّ وتشاركني في قراءة جريدتي. تشرئب بجيدها الجميل وشعرها الناعم نحوي وتقرأ معي فأشم عطرها واسمع انفاسها. قلت لنفسي ربما هذا لان جريدتي التي اقرأها «التايمس» لا تحبها النساء ولا يعبأن بما تقول. استبدلتها بجريدة «الديلي ميرور» الجريدة الشعبية بين النساء والمليئة بأحاديث الحب والغرام وانتهاك الاعراض. ولكن تجربتي كانت فاشلة. لم تتطوع اي حسناء جالسة بجانبي لتميل نحوي وتشاركني القراءة.

اعترف بأن الرجال ايضا لا يجرؤون على التكأكؤ فوق المرأة الجالسة بجانبهم والتطفل على قراءة ما بيدها من الجرائد. اعتقد ان هذا نقص اجتماعي خطير. فلو جرى ذلك وبادر الرجال للتطفل على قراءة جريدة المرأة في القطار او بالعكس ففعلت المرأة ذلك، لأمكن وقوع الكثير من التعارف بين الجنسين. يسألها، تسمحين اقلب الصفحة، فتعتذر، فيقول: لا داعي للاعتذار، اي موضوع تحبين؟ ويبدأ الكلام ولا يصل الرجل نهاية السفرة حتى يكون قد طلب يدها وخطبها عن نفسها. ومبروك عليه، فهل من امرأة احرص على العلم والمعرفة وحب المطالعة من واحدة تشاركك قراءة الجريدة في القطار؟

اعتقد ان المساواة في التطفل الجرائدي غدت العنصر الوحيد الذي ما زال غائبا في حركة مساواة المرأة، مما يلقي على المنظمات النسائية ـ كما اعتقد ـ واجب استئناف النضال من اجل مساواة الرجل في التطفل على الجرائد كقارئ ثقيل.