حربي .. ضد المتطرفين

TT

تفتخر بريطانيا بسمعتها العالمية التي تستحقها بجدارة لكون مجتمعها يتصف بالتسامح والتعددية الثقافية، حيث يعيش المواطنون من جميع الجنسيات والخلفيات والأديان بسلام وصداقة.

الرد الموحد والهادئ للشعب البريطاني، على الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في لندن في الشهر الماضي، والتي كان ضحاياها من جميع الأديان والمعتقدات، أكد على تسامح وقوة مجتمعنا. وبينما جرت أعمال منفصلة وغير مقبولة أبدا للتعبير عن الكراهية الدينية والعرقية، إلا أن رد الغالبية العظمى من شعبنا هو أن هذه الاعتداءات كانت من عمل عدد صغير جدا من المتعصبين، ولا تمثل أيا من طوائف مجتمعنا. وإذا كان هدف هذه الاعتداءات هو تقليب مواطنينا ضد بعضهم البعض، فإنها قد فشلت في تحقيق ذلك.

لكن هناك أيضا اتفاقا عاما تقريبا، بين المسلمين البريطانيين البالغ عددهم مليوني مسلم، تماما كما هو الحال بين أي طائفة في المجتمع، بأنه ليس بمقدورنا أن نستمر بالسماح للمتشددين بإساءة استغلال حرياتنا وتسامح مجتمعنا لدعم الإرهاب، أو التشجيع عليه، أو التغاضي عنه، أو تمجيده. بالطبع جاليات المسلمين هم من يفهمون أكثر من الآخرين مدى تهديد هذه الأقلية المتعصبة للعلاقات الجيدة في بلدنا ولتماسك وتعاضد مجتمعنا.

وبالتالي فإننا سنتخذ مجموعة من الإجراءات التي من شأنها إغلاق الثغرات في قانوننا، والتي دأب هؤلاء المتشددون على استغلالها. لكن هذه الإجراءات ليست قاسية. فمن بين تقاليد الحرية والتسامح التي نتمسك بها منذ مدة طويلة ، ونعتز بها ، الالتزام من قبل كل حكومة بإجراء استشارات واسعة مع جميع فئات المجتمع قبل إصدار أي تشريع جديد.

إنني عازم على الحفاظ على هذه التقاليد، وعلى السمعة الجيدة المصاحبة لها. ولن تهدد أي من الإجراءات الجديدة أيا من هذه التقاليد. لكن بالموازاة مع ذلك، فإن قواعد اللعبة قد تغيرت، ويتعين علينا أن نرد. فهناك رجال شباب وُلدوا في بريطانيا، جرى غسل أدمغتهم من قبل متشددين، لدرجة قيامهم بتفجير أنفسهم وقتل أناس أبرياء.

الإجراءات الجديدة التي سأقترحها موجهة ضد المتشددين، والمتشددين فقط ـ مهما كان شكل هذا التشدد، ومهما كان الدين الذي يدعي المتشددون تمثيله. وفي بعض الحالات أعتقد بأنه سيطرأ شعور بالدهشة في الخارج تجاه أن مثل هذه الإجراءات ليست مطبقة فعليا قبل الآن. لذا فإننا سنسعى للحصول على سلطات جديدة لترحيل أو منع دخول المواطنين الأجانب الذين يشجعون على الكراهية، أو يشجعون على العنف، أو يبررون أعمال عنف كهذه. وسيشمل ذلك رجال الدين الذين لهم صلة بالتطرف.

لقد كان هناك، منذ بعض الوقت، مطالبة من بين الجاليات المسلمة لاتخاذ إجراءات ضد رجال دين كأولئك. وبمساعدة أفراد المجتمع سنضع قائمة برجال الدين المولودين في الخارج الذين لن يسمح لهم إلقاء خطب في المملكة المتحدة، والذين يمكن منعهم من دخول أراضيها. وبالنسبة للمواطنين البريطانيين، سوف ندخل تعديلا بحيث يصبح التغاضي عن الإرهاب أو تمجيده في المملكة المتحدة وفي الخارج ، جريمة يعاقب عليها القانون.

هذه الإجراءات لا تستهدف المسلمين البريطانيين الوقورين الذين يحترمون القانون، أو البريطانيين من أي دين آخر. فنحن نعلم أن هذه الأقلية من التطرف لا تمثل الإسلام. وقد أوضح البريطانيون المسلمون بشكل جلي تماما كيف أنهم يمقتون أعمال المتشددين، وكيف أنهم يخشون بأن السمعة الجيدة للجاليات المسلمة سوف تتلوث بسبب كلمات وأفعال هؤلاء المتعصبين.

ورغم ذلك اختار العديد من المسلمين لأن يستقروا في المملكة المتحدة، لأنهم يتمتعون في المملكة المتحدة، تماما كجميع أتباع الديانات الأخرى، بالحرية التامة للعبادة، وبتوفير حياة أفضل لعائلاتهم. وقد وُلد أبناؤهم هنا. يقدم المسلمون مساهمة كبيرة ومُرحّب بها في جميع أوجه حياتنا تقريبا على المستوى الوطني.

كما سوف نستمر بالترحيب بجميع الأفراد، من جميع الخلفيات، الذين يأتون من الخارج لزيارة بلدنا بسلام، والذين يتفهمون بأن مبادئ الاحترام والتسامح تجاه الآخرين التي نؤمن بها هي أفضل ضمان للحرية والتقدم للأفراد من جميع الديانات.

لكن القدوم إلى بريطانيا ليس حقا مفروغا منه، وحتى حين يحضر الأفراد إلى هنا، فإن بقاءهم هنا يحمل معه واجبا. ذلك الواجب هو مشاركة ودعم قيم الحرية والتسامح التي تحمي طرق حياتنا. ومن يخالفون ذلك الواجب ويحاولون إثارة الكراهية ، أو المشاركة في أعمال عنف ضد بلدنا وشعبه ، ليس لهم مكان بيننا هنا. وعلى هذا المبدأ يتفق المواطنون من جميع الأديان في بريطانيا. ومن واجبي العمل بهذا المبدأ.

* رئيس وزراء بريطانيا ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»