الحياة في سبيل الله

TT

أريد أن أسمع تصريحا واحدا من أحد قادة حماس أو الجهاد الإسلامي في غزة أو حتى أحد الكوادر الصغيرة يتحدث عن البناء والتنمية وتطوير التعليم وتحسين الخدمات الصحية، يتكلم عن حياة الناس وتحسين مستوى المعيشة.

كلما خرج أحدهم في وسائل الإعلام تحدث عن الموت والشهادة و«أننا سنزلزل الأرض من تحت أقدام العدو». وحتى في لحظة نادرة مثل انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وهي لحظة للأمل في المستقبل والدفع لتحسين الشروط التفاوضية لدفع إسرائيل للانسحاب من بقية الأراضي المحتلة، فإن لغة الحرب والضرب والتحدي اللفظي هي السائدة والمسيطرة.

الإنسان لا بأس أن يموت في سبيل الله دفاعا عن أرضه، ولكن لماذا لا نعيش في سبيل الله بالدعوة إلى البناء وتذكير الناس أن مهمة المسلم في هذه الدنيا هي إعمار الكون. لماذا لا نحبب الحياة للجيل الناشئ ونقنعه بأن تحدي التنمية بأهمية تحدي الحرب بل ربما أصعب، وأن مهمة تحرير الأوطان قاسية، ولكن مهمة إعادة البناء هي أكثر قسوة. لماذا الخلط بين مشروع شخصي لفرد يريد أن يموت ويستشهد حسب فهمه للشهادة وبين أن يجر هذا الشخص بقية خلق الله معه للموت عبر عمليات فوضوية وضرب لمدنيين وإطلاق لصواريخ متخلفة ضَرَرُها أكثر من نفعها.

رحم الله امرؤا عرف قدر نفسه، فمتى نعرف قدر أنفسنا؟ متى ندرك حجم الفجوة الكبيرة بيننا وبين الآخر، ومعرفة حجم تحالفاته الدولية وإمكانياته التكنولوجية؟ ونحن هنا لا ندعو للاستخفاف بأنفسنا وبإمكانياتنا، ولكن العاقل من يدرس الصورة من كل جوانبها، ومن يستخدم كل الوسائل الممكنة للوصول إلى هدفه. أما إغفال دور المفاوضات والدبلوماسية واستخدام أوراق الضغط السياسي، والاعتقاد بأن الاحتكام للسلاح هو الهدف الوحيد في كل زمان ومكان فهو عمل يفتقد إلى المسؤولية، وهو أحيانا عملية دفع الناس لمزيد من الشقاء.

مخطئة حركتا حماس والجهاد إذا اعتقدتا أنهما وحدهما ساعدتا على إخراج إسرائيل، فالقوى الفلسطينية كلها ضحت، والعمل السياسي والدبلوماسي الكبير الذي مارسته السلطة الوطنية الفلسطينية والدخول في مفاوضات صعبة مع إسرائيل، وضغوط المجتمع العربي والدولي كلها ساهمت في هذا الانتصار. ولو كانت المسألة مجرد معركة عسكرية بين طرفين لكانت النتائج محسومة سلفا ولغير صالحنا.

رحمة بالفلسطينيين، وبأهل غزة خاصة، فالناس تريد أن تتنفس الصعداء بعد عشرات السنين من الاحتلال تريد مدرسة ومستشفى وطرقا وقانونا وحياة تتوفر فيها الحد الأدنى من الحاجات الإنسانية وهو أمر لن يحل عبر تصريحات «ستزلزل الأرض من تحت أقدامهم» مهما صدقت النوايا، بل بعمل سياسي رفيع يبنى في غزة ويناضل من أجل تحرير بقية الأرض بكل الوسائل.