أحياؤنا لا يرزقون بدرهم

TT

يقال عن الأدباء الفقراء لقد أصابتهم حرفة الأدب، مصيبة الأدب والقراءة والكتاب والعذاب بعد ذلك، فكلامهم حبر على ورق أبيض، يعيشون في أوهام الكبرياء والغرور والخلود، المصيبة أننا صدقنا أنفسنا أن الأدب هو الباقي وان الأدب أبقى من الأديب.

وكان شاعر النيل حافظ إبراهيم يكرر دائما أنه أنبل الفقراء وأنهم لو أعطوه جبلا من الذهب، وديوان المتنبي لاختار المتنبي!

وفي يوم قرأ حافظ إبراهيم أنهم فتحوا صندوق النذور في أحد المساجد فوجدوا به مئات الألوف من الجنيهات، فقال حزينا على نفسه وكل الأدباء:

من لي بحظ النائمين بحفرة قامت على أرجائها الصلوات

أحياؤنا لا يرزقون بدرهم وبألف ألف يرزق الأموات

وكان الشاعر الفقير السليط اللسان عبد الحميد الديب أيضا، ولكنه أكثر كلاما عن فقره وتعاسته وأكله وشرابه، وكان حاقدا على كل من يملك أكثر وما أكثرهم!

وله شعر عريان ملط، وكان ولا يزال من الصعب نشره، فنحن نحفظه ونتناقله مثل أشعار الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان والشاعرين المصريين محمود غنيم وحمام.

ولا أحد يعرف كيف عاش ومات عبد الحميد الديب، فقد تنقل بين كل الهيئات والوزارات، ولا يبقى إلا قليلا، ولأن لسانه طويل فعمره قصير في أية وظيفة، وكل الذين ساعدوه شتمهم!

وفي يوم قابله أحد الأدباء وسأله وقد انتقل من حيث لا نعرف إلى العمل في دار الكتب، فقال له عبد الحميد الديب: بالأمس كنت مشردا أهليا واليوم صرت مشردا رسميا!