العنز الحلوب

TT

إليكم هذا الحوار الوثائقي، والمصيري، والمنطقي في نفس الوقت بين امرأتين، واحدة تريد أن تشتري والأخرى تريد أن تبيع، واحدة تريد أن تدفع والأخرى تريد أن تقبض، وواحدة تريد أن تقيس ثم تتشيك، ولها كامل الحق في ذلك، والأخرى تريد أن (تلبس البوصة لكي تكون عروسة)، وكل (يغني على ليلاه).. ومثلما قال الحكيم التعبان: (رزق الهبل على المجانين).. المهم إليكم الحوار:

سألت بائعة محل الأزياء الزبونة بعد أن ارتدت الثوب في المحل لتجربته:

هل سيدتي مستريحة في الفستان؟

فأجابت الزبونة: نعم

وسألتها البائعة: هل سيدتي تستطيعين أن تتنفسي بسهولة؟

فأجابت الزبونة: نعم

فسألتها البائعة: هل تشعرين بأنك تستطيعين ارتداء هذا الفستان طول اليوم بدون أن تشعري بالضيق؟

فأجابت الزبونة: نعم

فقالت البائعة: إذن اخلعي يا سيدتي هذا الفستان.. وسأحضر لك فستانا أصغر مقاسا!

انتهى الحوار ولم تنته القصة.. لان اختنا في الله الزبونة (الهبّولة)، وافقت عن طيب خاطر وأريحية، على أن تحضر لها فستاناً اصغر مقاساً، لكي يكتم على أنفاسها، رغم أنها كانت مرتاحة بذلك الفستان.

ومع الأسف الكثير من سيدات وآنسات المجتمع بكل فئاته إلاّ من رحم ربي منهن، الأغلبية، تتأثر الواحدة منهن تأثراً بالغاً بما تمليه عليها البائعة، وتراها طيعّة منقادة كأي (معّزى) حلوب.. وليس هناك أكثر شطارة (ولعابة) وليس لعانة من البائعات (المحّرتكات) ـ وتكتب أحياناً هكذا: (المحّرتآت) ـ، وهن في الغالب (نغّشات)، يعرفن جيداً من أين (تؤكل الكتف) وكيف يوضع الشال عليها بطريقة مغرية، كما أن الواحدة منهن بارعة بالدراسة النفسية، وبالتنويم المغناطيسي، وبالكلمات الملفوفة بورق (السلوفان)، و(بالفشر) المغموس بالعسل.. فتحول إحدى السيدات (بالكلمات فقط)، من (سيدة قشطة) إلى (السيدة نيكول كدمان).. وتستسلم تلك السيدة (الفرحانة) بحالها.. وتحشر جسمها في فستان ضيق، لو كانت به روح لا شك انه فرّ هارباً وتركها (بالشلحة).

ولكن مالي أنا ومال (الستات).. إنني بقدر ما أتحاشى الخوض في سيرتهن، أجد أن الأيام تتآمر وتحدّني عليهن، وأنا لست براض، ولا فاض، وليس لي في شؤونهن أي فائدة أو مكسب أو أمل.

ولكنني اكتب ما اسمعه من صنّاع الحكي في المجتمع، والمشكلة أن حواسي الخمس ليس أداؤها متساوياً، فبصري، ولمسي، وشمي، وذوقي، كلها في ضعف وانحدار سنة وراء سنة، لكن سمعي هو الوحيد الذي بازدياد منقطع النظير، فلا تلوموني إذا كنت مصغياً أو (مسترقاً)، ولا تلوموني إذا كنت (مهذاراً)، ولا تلوموني بعد اليوم إذا قتلت نفسي بنفسي ورميت تهمة القتل على أي إنسان بريء، إنني لا أريد أن اخرج من هذه الدنيا بدون أن اعمل مصيبة صغيرة، ومن أراد أن يرجمني بحجر فلا مانع عندي إطلاقا.

[email protected]