كتبت قبل أيام مشيدا بمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، بالعفو عمن خطط لاغتياله ولأربعة من المعتقلين السعوديين لأسباب سياسية، وكانت قرارت العفو التي قام بها العاهل السعودي، هي الأولى عند توليه الحكم، فكانت إشارة بعهد جديد ورسالة تسامح في مواجهة ثقافة اللا تسامح والعنف العبثي.
مشاهد العنف والبغضاء والكره تجتاح منطقتنا والعالم، ففي العراق يحصد الحقد الأسود أرواح الآلاف من الأبرياء، ويستمر في الجزائر الذبح بالسكاكين، وتعيش الأراضي الفلسطينية عنفا سرمديا بسبب الاحتلال وبسبب الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني على كسب المواقع وتسجيل النقاط السياسية، وفي السعودية يستمر مسلسل من العنف الدامي من المدينة المنورة وحتى الدمام، وفي لندن حصد الإرهاب العشوائي أرواح عشرات الأبرياء في قطارات الأنفاق، وما زالت فلول طالبان تحاول يائسة تخريب بناء الدولة على أسس غير أسس التخلف والعنف.
وفي لبنان تمت إحالة عدد من المسؤولين الأمنيين اللبنانيين إلى التحقيق كمشتبه بهم في جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، كنت أرفض التصديق بأن تكون أياد عربية وراء الجريمة الوحشية التي أودت بحياة الفقيد، وكعربي ـ مؤامراتي المنشأ والتربية السياسية ـ كنت أصر بيني وبين نفسي على أن للموساد الإسرائيلي يداً في تلك البشاعة الدموية، وبأنه مهما بلغ الحقد بنا فلا يمكن أن تكون أياد عربية وراء اغتيال شخصية معطاءة ومسالمة مثل رفيق الحريري، ولكن يبدو أن ظني قد خاب، وبأن ما تمنيته لن يتحقق، فتقديم المسؤولين اللبنانيين كمشتبه بهم ينذر بتقديم المزيد ـ وقد لا يكونون من اللبنانيين هذه المرة.
الرئيس العراقي جلال طَلَباني ـ الذي يلفظ البعض اسمه الأخير «طالباني»، ويصحح هو ذلك في أكثر من مناسبة بطريقة لا تخلو من الطرافة ـ ذكر قبل أيام في مقابلة تلفزيونية بأنه لن يوقع على إعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، لأن ذلك يخالف مبادئه بعدم إيمانه بعقوبة الإعدام. وبسؤاله عن استعداده للتخلي عن كرسي الرئاسة تمسكا بمبادئه، أجاب من دون تردد بأنه سوف يتمسك بمبادئه ولو كلفه ذلك كرسي الرئاسة، والحق بأن الواحد يعجب بموقف الرجل المبدئي، بغض النظر عن الموقف من عقوبة الإعدام نفسها. فهذا الرجل ـ الرئيس يرفض أن يوقع على عقوبة الإعدام التي لا يؤمن بها ولو كانت في حق إنسان ارتكب الفظائع ضد شعبه سنين طويلة، وعلى الرغم من الأنفال وحلبجة وتشريد الآلاف وقتل الآلاف لن يتنازل الرجل عن مبادئه، وقد أعجبني هذا الموقف كثيرا، ففي وقت يرمي عرض الحائط كل المبادئ، يتمسك الرئيس طلباني بموقفه ولو كلفه ذلك بريق الكرسي الرئاسي، معيدا بذلك لنا جميعا ـ وللعراقيين تحديدا ـ الأمل بأن في عالمنا من لا يساوم على مبادئه، وبأنه مهما انتشرت الانتهازية، وسادت الوصولية، فلا يزال بيننا من يقاوم هذه الثقافة ويتمسك بالمبادئ في مواجهتها.
من المطلوب تعزيز ثقافة التسامح والعفو، في مواجهة العنف والحقد، ومطلوب الإشادة بالمبادئ والتمسك بها ما دامت تحث على السلم والتسامح.