«حكام مصر» زغلول، كامل، شوقي

TT

اختصر سعد زغلول افضال الوطنيين على مصر عندما قال في خطاب القاه العام 1923: «لست خالق هذه النهضة، كما قال بعض خطبائكم. لا اقول ذلك ولا ادعيه، بل لا اتصوره. انما نهضتكم قديمة تبتدئ من عهد مؤسس الأسرة المالكة، محمد علي، وللحركة العرابية فضل عظيم فيها، وكذلك للسيد جمال الدين الافغاني واتباعه وتلاميذه اثر كبير، وللمرحوم مصطفى كامل باشا فضل غزير فيها ايضاً». لعل من حظ مصر ونهضتها واستقلالها، قادة مثل مصطفى كامل وسعد زغلول. فلم يكونوا اهل وطنية عارمة فحسب، بل اهل علم وفكر ومُثل وعدالة. ولعب الفكر النضالي في حياة مصر دوراً أهم بكثير من العضل. وحرّك صدق المناضلين واخلاصهم وبساطتهم، مشاعر الناس البسطاء. ولم يصغ المصري إلى المتفذلكين ولم يقرأ مجمَّعي الالغاز ومكدَّسي الالفاظ، بل سار وراء سيد درويش واشعار بيرم التونسي، وجعل فنانيه، عمالقة وعاديين، ينخرطون في العمل الوطني ويطلبون من خلال اعمالهم رضى الناس. وادى الفنانون والأدباء، كل على طريقته وقدر مستطاعه، اعمالاً وطنية، وتقدموا الناس في الحياة الوطنية. وعرف أحمد شوقي وبيرم النفي، وغنَّى محمد عبد الوهاب وام كلثوم وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ الاناشيد والقصائد. وقرَّب الملوك الفنانين اليهم كما قرَّبهم الرؤساء من بعد، ورأى عبد الناصر في صوت ام كلثوم سلاحاً يأسر به العرب وشخصية يصغي اليها العالم، ولو لم يفهمها، كما حدث يوم خرجت باريس تصغي اليها في الاولمبيا.

لم يقف قادة الحركات الاستقلالية، مثل مصطفى كامل ضد الاستعمار فقط، بل وقفوا ايضاً ضد المتخاذلين. وفيما تروي «الهلال» ان «الثورات الوطنية شبت في الاديرة وصروح الرهبان»، ففي دراسة اخرى تستذكر ان بطرس غالي باشا ترأس محكمة قضت بشنق اربعة وطنيين لحساب الانكليز. وقد دفع حياته ثمناً لذلك. وحاول احفاده وابناؤهم ان يمحوا من ذاكرة المصريين التاريخية اثار مرحلة ارتبط فيها اسم العائلة بالانكليز، كما ارتبطت أسماء كثيرة في البورجوازية المصرية، التي بنت في الوقت نفسه مصر الصناعية، وهو ما كان يشدد عليه المستقبلي العالم مصطفى كامل، اول من عرف كيف يستخدم الصحافة الاوروبية لعرض القضايا الوطنية.

ولعب رجال مثل شوقي دوراً قومياً عظيماً في شعره ورقيه ومناداته الدائمة بالحاكم العادل وسقوط الاستبداد. وكان يؤمن بكل عمق بوحدة مصر وعصورها. وقد عاصر أمير الشعراء مراحل تأسيس الدولة الحديثة: من ثورة عرابي إلى الاحتلال البريطاني إلى انهاء علاقة مصر بتركيا إلى اتفاق سايكس بيكو واعلان احتلال مصر رسمياً العام 1922، وكذلك نشأة الاحزاب وانشاء مجالس النواب والشيوخ واعلان دستور 1923. وقد وصفه محمد حسين هيكل بقوله «شاعر مطبوع يفيض عنه الشعر، كما يفيض الماء من النبع، وكما ينهمر المطر من الغمام».

الى اللقاء.