(تأنيس) الحيوان:غلطة!

TT

نحن نرتكب غلطة في ملاحظاتنا لسلوك الحيوانات: الكلاب والقطط والطيور التي تعيش بيننا. وغلطتنا أننا نفهم سلوكها، كما لو كنا ننظر إلى أطفال صغار. من دون أن نعرف أن الحيوان غير الإنسان. وان سلوكياته مختلفة. مثلا لو نظرت إلى عيني الأسد فانه يخيل إليك انه «سرحان» وانه لا ينظر إليك. هذا ما نقوله لو رأينا أحدا ينظر إلينا كالأسد. فأين الغلطة؟ الغلطة أننا قياسا علي مشاعرنا وانفعالنا وردود أفعالنا، نتصور أن الحيوانات كذلك. ولذلك فأول درس في علم السلوك الحيواني: ألا ننظر إلى هذه الحيوانات كأنها كائنات بشرية صغيرة. وانما هي حيوانات مختلفة الأداء والعقل وردود الفعل والغرائز.

وأساس هذه الغلطة أن هناك وهما، هو أن الإنسان هو مركز الكون. وأفكاره وسلوكياته هي النمط الذي يمشي عليه الكون: حيواناته وحشراته وكواكبه ونجومه.. وقد ظل هذا الوهم قائما حتى جاء عالم الفلك العظيم كوبرنيكوس، في منتصف القرن السادس عشر، واسقط الإنسان من فوق عرش الكون.. فلا هو سيد الكون ولا الأرض مركز الكون.

وانما هي كوكب مثل ألوف ملايين الكواكب تدور حول أحد النجوم.

ولذلك يجب ألا يقوم الإنسان (بتأنيس) سلوك الحيوان.. بل العكس هو الأصح: أن يكون الإنسان حيواني السلوك ليفهم الحيوان!

ومعظم حوادث حدائق الحيوان تقع لهذا السبب. فالطفل يمد يده للحيوان بلقمة خبز. ظنا أن هذه شفقة منه أو مداعبة.. ليخطف الحيوان الذراع ويحاول أن يجرجر الطفل إلى داخل القفص. ونندهش لما حدث! والدهشة سببها هذه المعاني الإنسانية والدوافع الحقيقة للإنسان، ونظنها تنطبق على سلوكيات الحيوان!

والشاعر العربي القديم الذي قام بتربية ذئب بين الأغنام، متوهما انه سوف يكون كلبا أمينا على حيواناته. هذا رأيه هو. فلما كبر الذئب الصغير صار ذئبا كبيرا مفترسا. قال الشاعر:

أكلت شويهتي وعقرت مهري فمن أدراك أن أباك ذيب

ويقصد بكلمة (ذيب) ذئب.. فهو ذئب صغير سواء عاش بين الكلاب او الذئاب او العصافير..

ولكننا نحن الذين ألبسنا الذئب ملابس الكلاب وفرضنا عليه أخلاق الوفاء.. وانه يجب ألا يعض اليد التي أطعمته!