من نيويورك إلى الدمام

TT

للسنة الرابعة وحرب الحادي عشر من سبتمبر مستعرة، وعلى كل الجبهات العسكرية والتقنية والثقافية. وأثبتت الفترة الماضية ان كل ما قيل من مبالغات عن تنظيم «القاعدة» ليس سوى اقل من الحقيقة التي ظهرت والى الاسبوع الماضي في مدينة الدمام. وخطورة التنظيم ظهرت في نفس هجمات سبتمبر نفسها، الفاعلون معظمهم شباب صغار السن، وفي الدمام حدث الأمر نفسه. أحد القتلى الإرهابيين عمره 23 عاما، أي انه كان في سن الـ19 عاما عندما قاد محمد عطا فرقته نحو رأسي برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، ولم تكن له صلة بـ«القاعدة» تنظيما وعقلا فكيف حدث ذلك؟

هذه هي المعضلة التي تواجه الجميع، فشيوخ «القاعدة» مسجونون في الجبال، وأقصى درجات نشاطاتهم تقديم وصلة تلفزيونية مسجلة يوضع الصوت والصورة عليها، كما فعل أيمن الظواهري في فيلمه عن تفجيرات لندن والانتحاري الذي نفذها.

«القاعدة» صارت خيمة أكبر عددا وعمليات، ليس بسبب فشل اجهزة امن العالم التي تطاردها في أركان المعمورة، بل بسبب تفوقها في الجانب الفكري وعجز الأجهزة الرسمية عن فهم خطورته. اليوم يوجد في العالم الاسلامي اكثر محطات تلفزيونية متطرفة عما كان الوضع عليه في الحادي عشر من سبتمبر، بعضها يلبس اردية دينية متطرفة صريحة. وتوجد اليوم مواقع الكترونية متطرفة تفوق ما كان يعرفه الشباب المسلم في الحادي عشر من سبتمبر مئات المرات. وبالتالي، لست مبالِغاً اذا قلت ان «القاعدة» كَبُرَتْ، والتطرف ازداد مع ان عدد المقتولين والمسجونين من المحسوبين على التنظيم تضاعف مرات ومرات. من يشاهد ويسمع ويقرأ ما يدور في مجتمعاتنا من المغرب الى إندونيسيا، يعرف أن مستنقع التطرف صار بحرا كبيرا يطلق من البعوض اكثر مما تصطاده اجهزة الأمن.

ومن المؤسف ان المثقفين الذين يشكون من الارهاب أيضا يوجهون سهامهم فقط للجانب السياسي من المشكلة، باحثين لهم عن أعذار خارجية. فالإرهاب مشكلتنا بالدرجة الأولى، وليست لغيرنا كما جرى تصويرها في الساحة الفكرية العربية. يرددون ان منبع أفعال «القاعدة» الظلم الدولي في القضايا العربية، وهو تبرير تبنته «القاعدة» نفسها متأخرة لاحقا، فجعل الارهاب حيا ومبررا. حقيقة وجود ظلم في قضايا عربية لا يبرر فعلا خاطئا ولا ينفي عنه روح الجريمة.

فالإرهاب ضَرَبَ الجزائر قبل نحو عشر سنوات من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولم يقل الارهابيون المتطرفون هناك مرة واحدة إن السبب هو الظلم الدولي في فلسطين او العراق. وفعلوا الشيء نفسه في صعيد مصر ثم في السعودية ولاحقا المغرب ومعظم الدول العربية والاسلامية.

البعض يريدون توظيف الارهاب بربطه بالقضايا العربية الرئيسية، وهم بذلك يتسببون في حمايته ورعايته والاحتفاء به شعبيا. انظروا الى حجم الضرر الذي بلغه التطرف في الإنترنت والإعلام العربي الشعبي، ونال من الشباب ومول «القاعدة» بالصغار بشكل دائم.

[email protected]