أبو متعب

TT

أخبرتني صديقة تعمل موظفة في احدى السفارات العربية في باريس، أن الصيدلاني الذي يعمل مقابل السفارة كان ينتقد أحد الدبلوماسيين في السفارة كلما جاء إليه واحد منهم لشراء دواء، بسبب رؤيته اليومية لهذا الدبلوماسي كل صباح وهو ينزل من سيارته، تاركا سائقه يحمل له حقيبته، وهذا يعد عندنا نحن العرب من أبسط مهام السائقين، ولم يتوقف الصيدلاني عند حد الاستهجان الشفهي لفعل الدبلوماسي، بل ان هذا الدبلوماسي قدر الله عليه ان دخل الصيدلية يوما ليشتري دواء، فما ان رآه الصيدلاني الناقم حتى صاح به: اخرج من هنا اخرج!.

ولم يعرف الدبلوماسي حتى اليوم لماذا طرده الصيدلاني، ولم يجرؤ موظفو السفارة أن يخبروا مديرهم أن الصيدلاني، يحتقره بسبب ترفعه واستعباده لسائقه، وهذه في فرنسا تعتبر جنحة أخلاقية يستهجنها الفرنسيون، خاصة بعد خطاب ماري انطوانيت المترفع فيهم، والذي شن بعده الفرنسيون ثورتهم الدامية، حين قالت لهم يوم لم يجدوا خبزا يأكلوه، «كلوا بسكويت»!.

أما صديقتي العربية الأخرى فقد أخبرتني أن ابنها في لبنان ذهب ليحضر ورقة من المختار، فوجده بعد أن انتهى من صلاته يرفع السجادة ويرمي بها في وجه صبي يعمل لديه، ليرفعها، ويستنكر الشاب الصغير أن يجمع مسلم بين تقرب لله لا يزال ساخنا يفوح من قلب مؤمن، وتسلط وتكبر على خلق الله من عباده المستضعفين يتلوه على الفور.

في كلا الموقفين استنكار ديني وأخلاقي لسلوك الترفع والتسلط وإذلال الأخرين، فالله قد كرّم الانسان، وجاءت الحضارات المتقدمة لتترجم تقدمها وتحضرها بالالتزام بهذه القيمة الرفيعة، وقد خاض البشر منذ بدء الخليقة حروبا عارمة وفادحة الخسائر للدفاع عن حريتهم وكرامتهم.

واليوم حين يعلن الملك (أبو متعب) في خطابه الشعبي استهجانه لعادة تقبيل اليد لغير الوالدين، فإن الملك يعبر عن قيمه الشخصية كعربي بدوي حر مسلم، لم يعتد قط الانحناء لغير الله، ولم يستطب قط قيم العبودية والذل في العبارة والسلوك، فالعربي البدوي كان يعبر عن احترامه لكبار السن من أهله وجماعته الأقربين بتقبيل الرأس أو الأنف، وهو في هذا الفعل يرفع نفسه لا يخفضها.

إن إعلان الملك عبد الله لملاحظة في السلوك الشخصي، لم يأت كتقييد لسلوك الناس، بقدر ما كان تعبيرا عن رفضه لقيمة عامة سيشاهدها الناس في تلفزيوناتهم وصورهم الصحافية، وسيظن المراقبون الخارجيون أنها بروتوكول إلزامي، لكن أبو متعب كعادته يقف اليوم في مركز القائد الأب ليقول رأيه على الأقل بأنه يرفض أن يتحمل عادة لا تعبر عن الأصالة العربية والإسلامية، وان الشخصية العربية البدوية ـ ولا أقصد هنا بالبدوية العصبية، بل الثقافية الأصيلة الحرة ـ تعبر عن أنفها وشموخها في أكثر درجات تواضعها وأنسنتها.

[email protected]