لا وقت للبهلوانيات اللغوية!

TT

في الأدب العربي فترات كان الأدباء يتلاعبون فيها بالألفاظ والمعاني ويسرفون في ذلك. ويقول النقاد: إنه الفراغ العقلي الذي يجعل الأدباء يفكرون في الزركشة والزخرفة. ولو كانت عندهم قضايا عقلية أو فلسفية ما أضاعوا الوقت في السجع والجناس والطباق. يضربون لذلك مثلا: مقامات بديع الزمان ومقامات الحريري.

فمن ضمن الألعاب أو التلاعب حرص الكاتب على أن يكتب مقالا تكون فيه الكلمات بلا نقط تحت أو فوق الحروف.. أو تكون كلمة منقوطة وأخرى غير منقوطة. أو تكون العبارة سهل أن تقراها من أولها أو من آخرها ـ كم من الوقت يحتاج الكاتب إلى فبركة ذلك.. وتكون الجملة مثل كلمة «خوخ» أو كلمة «توت» يمكن قراءتها من أولها تماما مثل قراءتها من آخرها.

وعندنا في مصر مثل شعبي يقول: قلع مركب ببكر معلق ـ قلع مركب يعني شراع المركب. فأنت تقرأ العبارة من أولها ومن آخرها أيضا.

وهناك قصائد للحريري في مقاماته. تقرأ البيت من أوله كما تقرؤه من آخره.. ليس بيتا واحدا وإنما قصيدة كاملة. فكم من الوقت قد أضاعه في هذه الألعاب اللفظية الشكلية.. مثلا هذا البيت:

مودته تدوم لكل هول وهل كل مودته تدوم

وغيره من القصائد الصعبة التي ترهق الكاتب في إظهار القدرة اللغوية والبهلوانية في الصناعة!

وتطورت أساليب الكتابة كما تطورت المواصلات. فاللغة هي أيضا أداة من أدوات المواصلات والتواصل. فكما كانت أدوات المواصلات بطيئة كالجمل والحصان والسفن، ثم صارت في سرعة الطائرة والصاروخ والبرقيات والكومبيوتر.. فالإنسان ليس عنده متسع من الوقت ليلعب ويمشي على ساق واحدة، وإنما أن يركب الطائرة أو يتحدث في التليفون أو يبعث ببرقية.. فالمواصلات أسرع وأكثر اختصارا.

مثلا كاتبنا الكبير نجيب محفوظ نجد عباراته كأنها هودج.. عبارات كثيرة ضخمة فخمة.. وليس على عجل.

ونجد أستاذنا العقاد عباراته كأنها خرسانة مسلحة.. قوية جافة.

وأستاذنا طه حسين عباراته كأنها خيوط من الحرير.

ونجد الكاتب الفرنسي الان عباراته من كلمة أو من كلمتين.. وفيهما يقول كل ما يريد.. وأنت تلهث وراءه، ولا يتساقط منك أو منه أي معني!

السبب: أنت مستعجل وأنا أيضا!