محنة كاترينا.. وصفة علاج لنيو أورليانز.. وللأفارقة أيضا..!

TT

قال وارن بوفت، أغنى رجل في أميركا بعد بيل غيتز، في الفترة الأخيرة، إن الأغنياء قد ربحوا الحرب الطبقية، والحكومة محرومة حاليا من المصادر، أما الطبقة المتوسطة فهي في طور التلاشي والفقراء تم نسيانهم تماما. ولكم أتفق مع هذا الرأي، فنيو أورليانز هي رمز لما يحدث في أميركا. فإهمال الاستثمار في المجال العام هو قلب المشكلة.

والى ذلك فقد وصل الأميركيون إلى وضع مترف حينما أشرك هنري فورد عماله بجزء من ثروته بحيث أصبح كل منهم يمتلك سيارته. كذلك اغتنت أميركا مع «الاتفاق الجديد» الذي طرحه الرئيس فرانكلين روزفلت حينما تم الاهتمام بالمسن والضعيف. وقد كسب الأميركيون الرفاهية أيضا حينما قام بلدهم بمد جسوره إلى أوروبا عبر خطة مارشال. أما الآن فأميركا تتحرك على مستوى العالم ككل لكنها أهملت نواتها. نحن أهملنا أمتنا نفسها.

فنيو أورليانز هي ليست مدينة فقط، بل هي شريان الولايات المتحدة. ونابليون أدرك أنه إن تمكن من السيطرة على نيو أورليانز فإنه سيتمكن من السيطرة على كل غرب الولايات المتحدة لمنطقة المسيسبي. فكل الحبوب والسلع المصنوعة التي تأتي منطقة الـ «ميد ويست» يجب أن تمر عبر تلك المنطقة، وكل الغاز الطبيعي الذي يغذي الساحل الشرقي يأتي من تلك الدلتا. ومع ذلك فإن أسبقيات الولايات المتحدة قد آلت إلى إهمال البنية التحتية والبيئية لمنطقة لا يمكن لأي منطقة أخرى أن تكون أكثر حيوية وأهمية منها للبلد ككل.

في شمال أوروبا هناك تقاليد بناء سدود شبيهة بتلك الموجودة في قناة بنما، والتي ترتفع وتنخفض حسب حالة الماء، فيما لا زالت نيو أورليانز محافظة على نفس طريقة بنائها المسطحة على يد فيلق الصيانة المدني خلال فترة التأهيل الذي بدأ بتحقيقها »الاتفاق الجديد«، والذي طرحه الرئيس روزفلت قبل الحرب العالمية الثانية لإخراج البلد من الكساد الاقتصادي.

ويمكن القول هنا إن استخدام الثروة الخاصة لا يتم دائما بشكل حكيم، لأنها غالبا ما تأخذ بنظر الاعتبار المسؤوليات العامة. لكن دولة فعالة ومبدعة قادرة أن تقوم بتفعيل هذه الثروة.

وفي المقابل يمكن القول أن تخفيض الضرائب عن الأثرياء في الولايات المتحدة عنصر إيجابي، لكن يجب توجيهه صوب شراء سندات إعادة إعمار نيو أورليانز وساحل الخليج، وعلى الأغنياء أن يحصلوا على تقليص في الضرائب من خلال شراء هذه السندات الحكومية، لكن يجب أن يحصلوا أيضا على فائدة خالية من الضرائب على هذا الاستثمار لما سيكون نموا ضخما للمنطقة خلال السنوات القادمة، وتقديري أن سياسة من هذا النوع قابلة على توحيد الناس أكثر من تفريقهم بعد وقوع هذه الكارثة التاريخية المهولة.

ومن جانبي، وكعمدة لأتلانتا، تعلمت أو قل علمت بأن الحكومة الكبرى تحتاج الى القيام بكل شيء. فالحكومة المحلية أعدت الصفقة التي أدت الى بناء مطار أتلانتا، ولكن الأسهم المحلية الخاصة المعفاة من الضريبة، والتي اشترتها شركات الخطوط الجوية وشركات وقوف السيارات وشركات تراخيص، هي التي مولت المشروع.

اذن، أجل مع حكومة أقوى، لكن فلتكن أيضا حكومة مبدعة وليست حكومة كبرى. فالدولة لديها المسؤولية العامة لرؤية الأموال الخاصة وهي موجهة نحو البنية التحتية.

وفي أتلانتا، على سبيل المثال، شيدنا مطارا بقيمة خمسة مليارات دولار لم يكلف دافع الضريبة سنتا واحدا، وقد وفر 50 ألف وظيفة، وعلى ضفاف هذه المناسبة ابلغ اصدقائي الأفارقة بأن عليهم ان يهتموا بذلك. فمطار أتلانتا يوفر ثروة اكبر لمناطق جنوب شرق الولايات المتحدة مما يوفره كل نفط نيجيريا وأنغولا والكويت لمواطنيها.

اننا نحاول أن نعلم الحكومات الأفريقية كيفية اعادة تنمية دولها دون القيام بذلك عبر الدولة، وانما عبر تعزيز الاستثمار الخاص.

وبمعنى آخر فان نهر الكونغو مهم استراتيجيا لأفريقيا، شأن أهمية نهر المسيسيبي بالنسبة للولايات المتحدة، وسيكون من المفيد جدا بالنسبة لهم أن يروا كيفية قيأمنا بإعادة بناء دلتا نهر المسيسيبي بعد هذه الكارثة.

أعرف كم هي فقيرة نيو أورليانز. فقد نشأت هناك. والحقيقة انني خائف من تردي الأوضاع في الأيام والأسابيع المقبلة. ذلك أن الفقراء السود كانوا يعيشون وسط المدينة، وكان لديهم مجال لاستخدام وسائل النقل العامة للوصول الى اماكن مختلفة، ومن هنا أجد في نفسي خشية أن تكون الجثث التي يجدونها في الضواحي الى حد كبير للفقراء البيض ممن لم يكن لديهم مجال لاستخدام وسائل النقل العامة، أو ممن بقوا ليراقبوا ممتلكاتهم، بينما فر آخرون من افراد العوائل بالسيارة الوحيدة التي يمتلكونها.

* مندوب أميركا السابق بالأمم المتحدة تحت إدارة الرئيس كارتر والمقال مأخوذ من حوار له مع مجلة غلوبال فيو بوينت ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»