الاقتصاد الزراعي : جديد المأساة في كاترينا ..!

TT

سافر منتج افلام وثائقية شاب، يدعى تشارلس دي شارب، عام 1953 عبر نهر المسيسيبي من شماله الى جنوبه لتصوير لقطات فوتوغرافية لفيلم لم ير النور. تظهر في واحدة من الصور التي التقطها دي شارب، ونشرت في كتاب بعنوان «نهر المسيسيبي عام 1953»، طوابير من عمال جمع محصول الذرة الحمراء في مولين بولاية إيلينوي ، وهم في انتظار النقل الى موقع آخر. كان اولئك العمال يوزعون على مزارع اصغر حجما وأقل انتاجا مقارنة بما يوجد في الغرب الاوسط في هذه الأيام، حيث تجري عمليات الحصاد بوسائل اكثر تطورا تنزع حبات الذرة خلال عملية الحصاد.

جاء بعد ذلك إعصار «كاترينا» الذي ادى الى وقف حركة الملاحة النهرية في المناطق السفلى للمسيسيبي ، وتوقفت نتيجة لذلك حركة نقل الحبوب ومنتجات المزارع جنوبا بغرض التصدير، فضلا عن حركة نقل مدخلات زراعية شمالا مثل الأسمدة والوقود. بدأت قوات حرس الحدود الاسبوع الماضي برفع بعض القيود المفروضة على الملاحة عبر نهر المسيسيبي شمال نيو اورليانز، إلا ان عودة امدادات الطاقة لم تكتمل بعد في منشآت تعبئة وشحن القمح على طول النهر.

يعني ذلك في مجمله عاما آخر من الأزمة بالنسبة لأصحاب المزارع. ففي المواسم والسنوات العادية كان يعني انخفاض نسبة الانتاج، مثل تقلص نسبة تراجع الانتاج المتوقعة (12%) في انتاج إيلينوي خلال العام الجاري، ازدياد الاسعار في أسواق السلع، لكنه يعتبر خسارة بالنسبة للمزرعة. مزارعو منطقة الغرب الأوسط، حيث بدأ الحصاد لتوه، يتوقعون زيادة في انتاج القمح فيما لا يعرفون تفوق سعة التخزين المتوفرة.

كانت تمر عبر ميناء نيو اورليانز اسبوعيا حوالي 889046.941 طنا من الذرة اسبوعيا، إلا ان ذلك توقف تماما الآن. الاميركيون من جانبهم كانوا ينظرون الى أصحاب المزارع كونهم منتجين، لكنهم ايضا مستهلكون لكميات كبيرة من الوقود والكيماويات المستخرجة من النفط، ما يعني انهم سيدفعون اسعارا عالية لهذه المنتجات خلال فترة مقبلة.

من التوقع ان يشهد فصل الخريف الحالي تراجعا كبيرا في عائدات المزارع وزيادة في نفقاتها في وقت تحاول فيه السلطات الفيدرالية جاهدة الحد من رغبة اصحاب المزارع في الحصول على دعم فيدرالي. مرة اخرى، أي حركة باتجاه تقليص المخصصات الفيدرالية لدعم الأسعار ستتراجع في مواجهة مخصصات الطوارئ اللازمة لتغطية الخسائر. ذكرنا إعصار «كاترينا» بصورة واضحة ومباشرة بأن نهر المسيسيبي عبارة عن سلسلة معقدة من السدود والموانئ والقنوات والحواجز وعلامات الملاحة اكثر من كونه نهرا طبيعيا. وعندما يتوقف هذا النظام النهري تماما ويؤثر على المزارع والأعمال التجارية، فإن الاهتمام الحقيقي يجب ان يكون منصبا على إعادة هذا النظام الى العمل بأسرع ما يمكن.

المحصلة النهائية كانت منطقة مختنقة وميتة في خليج المكسيك. بدأت هذه المنطقة هذا العام في الظهور في مارس (آذار) الماضي بدلا من يونيو (حزيران). وكانت هناك تكهنات بأن يتسبب إعصار «كاترينا» بتحريك منطقة خليج المكسيك على نحو يؤدي الى إحياء هذه المنطقة الميتة. ثمة حاجة ماسة الى وقفة جادة ونظرة عميقة الى الاقتصاد الزراعي الذي بدأ يتأثر سلبا ويقتل تدريجيا منطقة خليج المكسيك.

* خدمة «نيويورك تايمز»