عنصرية الفرنسيين

TT

طلبنا سيارة تاكسي صباح أمس تقلنا، زوجتي وأنا، من الفندق إلى موعد. كان بواب الفندق كامبوديا من بلاد سيهانوك. ولما وصل السائق وصعدنا، توقف وألقى على الكامبودي كلاما قاسيا جدا، خلاصته أن أهل كامبوديا في باريس لا يطلبون إلى الفنادق سوى جماعتهم، ونظر الينا السائق العربي وهو يقلع بنا وحذرنا من التعاطي مع الكامبوديين في فرنسا. بل حتى في بنوم بنه. وأعطانا رقما نطلبه عندما نحتاج إلى التنقل في باريس. ثم أكمل لنفسه، في صوت عال، أن الكامبوديين لصوص والآسيويين كذا ومذا ثم مذا. وسكتنا. ثم افرغ قاموس الشتم الذي يحفظه السواقون العرب عن السواقين الفرنسيين. وقررت أن أوقفه وأترجل، لكن زوجتي شدت على يدي بما معناه، أن الله مع الصابرين إذا صبروا. وبعد قليل أوقف السيارة بسرعة هائلة حتى كدنا نقفز من النافذة. وعندها علمت لماذا أصبح الحزام في المقعد الخلفي إلزاميا في فرنسا. وكان السائق أمامه، أفريقيا، فأطلق عليه «زموره» ولسانه ومصطلحات الشارع الفرنسي.

وشدت زوجتي على يدي مرة أخرى. لكن الصداع كان قد حل وتحول جمال باريس إلى قرف من لغة بودلير وقد وضعت بين أحناك السواقين. وبعد قليل أطلق هذا الأشوس (جمعها اشاوس) «زمورة» على باص أمامه واستخدم الفرامل (الكابح في اللغة) بطريقة تكسرت فيها أضلاعنا. وسارعت زوجتي تشد على يدي. واعتقدت انه سوف يعتذر. لكنه حول وجهة سيره بسرعة مدوخة، وراح يشتم الإسبان. لقد كان الباص يحمل لوحة إسبانية. وأراد بكل كرم أخلاق أن يشركني في موقفه من الأجناس والأعراق، فسألني، «ألا تعتقد أن الإسبان حمير». فأجبت «ربما ليسوا جميعا». فعدل المرآة العاكسة أمامه وقال يزأر «ماذا تعني ليسوا جميعا»؟ قلت «عفوا. أحيانا يخطئ المرء في التقدير». ثم عاد يتحدث إلى نفسه. ويردد عليها تعابير الأزقة في فرنسا بطلاقة مشهودة. وذات مرة سئل الشاعر سعيد عقل عن أمه وأبيه، فقال «كانت أمي سيدة بالغة الجمال والرقي، أما أبي فكان ماهرا في التشقيع (السب) إذا استخدم شتيمة لا يكررها أبدا. إنها الخبرة في المفردات».

لكن هذا السمج كان قليل كل الأشياء والميزات، بما فيها خفة الظل. وكان يكرر الشتائم باجترار وعصبية. وكانت زوجتي تشد على يدي. ومن حظي أنني أتناول حبة الضغط في الصباح. وقبل أن نصل إلى موعدنا بقليل قررت أن اسمع رأي هذا المخلوق بالفرنسيين، بعدما تكرم علينا برأيه في الشعوب الأخرى. فقلت هل أنت مرتاح في فرنسا؟ فجعر بي عبر المرآة العاكسة «فرنسا؟ اللعنة على فرنسا». قلت وماذا يضايقك في الفرنسيين، فجعر مرة أخرى «وتسأل أيضا؟ ألا تعرف أنهم عنصريون لا يحبون أحدا؟». حقا، لم أكن اعرف.