قراءة في فنجان قهوة!

TT

إذا ذهبت إلى أثينا فلا تضع ساقا على ساق حينما تطلب من نادل المقهى فنجان قهوة تركي، فقد يقذف بك إلى خارج المقهى، فلا أحد هناك يطيق أن يسمع اسم القهوة التركي، والكل يصر على أن اسمها (غريك كوفي) أي القهوة الإغريقية، وفي هذه الحالة عليك أن تطلب فنجان قهوة إغريقي، وتشربه على النوايا التركية بينك وبين نفسك!.

وإن مررت ببنغلاديش ورأيت مظاهرة رجالية تعبر أمامك فضع نفسك وسط الجموع و(فش خلقك) وشارك في المسيرة، فأشهر مظاهرات بنغلاديش يقودها رجال يطالبون الحكومة بحمايتهم من زوجاتهم، لأنهم يتعرضون لتعذيب بالغ، واطمئن فلن يصل الخبر إلى (أم العيال) هنا بأنك قد تظاهرت ضدها هناك احتجاجا على تأديبها لك.

أما إذا رماك هواك بعيدا إلى (تشيلي) البلد القصي الذي تصفه الروائية (إيزابيل الليندي) بأنه أبعد بلد يمكن أن يذهب إليه المرء بدون أن يسقط من الكوكب فلا تصدق حديث التشيليين عن الطقس المثالي لبلادهم والطبيعة الآمنة، فبشهادة واحدة من أهلها أن البلد ينام على أكثر من ستمائة بركان، وأن الخبراء يتوقعون أن تختفي تشيلي عاجلا أم آجلا مطمورة في حممها أو مجرورة إلى قاع البحر بواحدة من تلك الموجات الثائرة في المحيط، وأنصحك بعدم الاستماع إلى العجوز (إيزابيل) وهي تقول لك في النهاية: (إن إمكانية حدوث ذلك أثناء زيارتك بالضبط أمر مستبعد!).

وانعم إن قذفت بك الأقدار إلى نيوزيلاندا، فمن حقك أن تأخذ صورة للذكرى مع أكبر مسؤول هناك، لكن طموحك ينبغي أن لا يصل إلى حد التفكير في أخذ مثل هذه الصورة مع زعيم الثيران، فدون ذلك ضرب القتاد، فهم يخشون على ثورهم أن تنتقل إليه أية عدوى من بني الإنسان، فلا يسمحون لك برؤيته إلا بعد تعقيمك ولربما (تفلية) شعر رأسك إن لم تكن أصلع!.

ولو هزك الشوق إلى باريس فلا تلق بالا لما قاله أديب روسيا دستوفسكي عن توهم الباريسي بأنه أول إنسان على وجه الكرة الأرضية، وأنه لا يعرف عن الكرة الأرضية أبعد من ضواحي باريس، ولا نعته الباريسيين بأنهم مجموعة من البقالين، فلربما قال دستوفسكي ذلك الكلام في لحظة تبرم وضيق من غرام الروس بباريس، حينما لم يجد ذلك القومي الروسي ما يفعله سوى أن يمقت كل الخطى التي تتحرك في شارع الـ(شانزليزيه) أو تتسكع في الحي اللاتيني، وأنا أنصحك أن تذهب إلى هناك بنفسك بدون أن تمنح أذنك لذلك الروسي كي يضللك، فباريس يا صديقي هي تلك المدينة التي (جننت) عمنا توفيق الحكيم وجعلته يقف يوميا في طابور شباك بيع تذاكر دخول السينما ليطلب من البائعة الحسناء تذكرة دخول إلى قلبها، فاذهب إلى هناك ولكن حافظ على قلبك من الاختطاف!

[email protected]