الجامعة العربية لا ترى الخطر على هوية العراق..!

TT

اول دستور للدولة العراقية الحديثة سُنّ في العام 1925، وظل نافذا حتى انقلاب (او ثورة) 14 تموز (يوليو) 1958. ولم يتضمن ذلك الدستور، كما دساتير سائر البلاد العربية، أي اشارة الى ان العراق بلد عربي او جزء او فرع من الامة العربية. مع ذلك ظل عرب العراق، وهم الاكثرية، عربا، مثلما ظل أكراده أكرادا، وتركمانه تركمانا، وكلدانه وآشوريوه وأرمنه، كلدانا وآشوريين وأرمنَ، ومثلما ظل مسلموه مسلمينَ يمارسون عباداتهم وطقوسهم وشعائرهم، والدولة تحتفل بأعيادهم وتعطل فيها، بالرغم من ان ذلك الدستور لم يدخل في متاهة ولعبة ما اذا كان الاسلام مصدرَ التشريع او مصدراً للتشريع، او احدَ مصادر التشريع، او هو المصدر الوحيد او الرئيسي له.

اكثر من هذا كان العراق احد المؤسسين القلائل للجامعة العربية ولسائر مؤسسات العمل العربي المشترك، التي ظلت اسما على غير مسمى وجسدا بلا روح، خصوصا منذ ان تولى السلطة في الغالبية العظمى من البلدان العربية القوميون العرب الاقل اعتدالا (الناصريون)، والأكثر تطرفا (البعثيون)، فعدم النص في دستور 1925 على عروبة العراق لم يحل دون ان يكون العراق جزءا من النظام الاقليمي العربي.

اكثر من هذا ايضا انه منذ ان وقع العراق تحت براثن القوميين العرب الاكثر تطرفا، وغدا تعبير «العراق جزء من الامة العربية» ملازما لدساتيره المؤقتة المتتالية، وتعبير «الوحدة العربية» شعارا رسميا للدولة، تردت أحوال عرب العراق، فضلا عن اكراده وتركمانه وكلدانه وآشورييه وأرمنه، وتعرضوا للإهانة والقمع والاضطهاد والقتل الجماعي، وعوملوا معاملة لا تليق حتى بأحقر المخلوقات ـ اذا كانت ثمة مخلوقات حقيرة. فالنص على ان العراق جزء من الامة العربية لم يصن كرامات العراقيين ، وبينهم اكثريتهم العرب، ولم يحفظ لهم ادنى حقوق الانسان.

وجرى هذا تحت سمع وبصر العرب جميعا وجامعتهم العتيدة، التي لم تفعل أي شيء يشير مجرد اشارة لعرب العراق الى انها تستحق الجهد التاريخي الذي بذله العراق لإنشائها، وتستحق الاموال التي انفقت من موازنات الدولة العراقية عليها.

بخلاف هذا وجد عرب العراق ان نظام حكمهم العروبي، عندما ارتكب ما يفترض أنه الكفر بالعروبة بغزوه الكويت، انقسمت الجامعة العربية على نفسها ووقف نصفها علنا مؤيدا لذلك الكفر الصارخ .

الامين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى جانبَ الحق والحقيقة كثيرا في الحملة الصاخبة التي اثارها اخيرا على مسودة الدستور العراقي، لأن إحدى مواده لم تعد تكرر العبارة الزائفة «العراق جزء من الامة العربية» التي وضعها القوميون العرب وعملوا بالضد منها تماما.

فالسيد موسى لم يعيِّنه أحد ملكاً على العراق، ولم يصوت له عراقي واحد ليكون رئيسا للعراق، لكي يعطي لنفسه الحق في ان يأمر العراقيين، عربا وأكرادا وتركمانا وكلدانا وآشوريين وأرمنَ، بان يصوغوا دستورهم على هواه هو، او على هوى الجامعة العربية. السيد عمرو موسى، كما كل موظفي الجامعة العربية، يتلقون رواتبهم من موازنات الدول الاعضاء فيها، وهذه الموازنات هي من ثروات شعوب هذه البلدان، وبينها شعب العراق.. وشعب العراق، كما يعرف السيد موسى، مؤلف من العرب والأكراد والتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن. وهؤلاء جميعا، من دون أي استثناء، وليس أحد غيرهم من يقرر هوية بلادهم ومن يصوغ دستور هذه البلاد.

اذا كان السيد موسى والجامعة العربية مهتمين حقيقة بمصير عرب العراق ومستقبل العراق، فليوجها عنايتهما الى الخطر الداهم الذي يهدد العراق وشعبه بكل قومياته، وهو خطر الارهاب القادم من الجيران العرب خصوصا، وخطر النفوذ الايراني المتفاقم الذي تساعده في مهمته وتؤمن له أوكاره ومرتكزاته أحزاب وميليشيات محلية (شيعية)، ويسهل له هذه المهمة ايضا ان الجامعة العربية وأعضاءها قد اعطوا العراق ظهورهم.

نعم هذا هو الخطر الحقيقي على هوية العراق وكيانه، وما عداه هو ضرب من الخيال المريض الذي نأمل له الشفاء العاجل لكي يرى اصحابه الواقع كما هو.