كاترينا والـ«دون جوان»!

TT

اندلق في جوف الطائرة ترافقني حاشية من توابع المسافر: جواز سفر، بطاقة صعود الطائرة، حقيبة يد، ودفتر صغير يحوي أرقام وعناوين بعض الأصدقاء.. لم أكن أعرف أن الصدفة ستضع ذلك الشاب الذي لمحته في المطار على مقعد مجاور لي، فالعين لم تكن لتخطئه بسلاسله الذهبية وملابسه المزركشة وشعره المنقوع في «الكريمات».. وحينما أقلعت الطائرة لمحته يتلفت بطريقة هستيرية كأنه حكم مباراة في تنس الطاولة أو رادار بشري يرصد كل حركة أنثوية على ارتفاع ثلاثين ألف قدم، ولو كان الأمر بيده لربما شارك المضيفة الحسناء توزيع الأطعمة مصحوبة برقم هاتفه، ومن سوء حظه أن مقعده بجوار النافذة، ولكي يغادر ذلك المقعد عليه أن يحصل على إذن مسبق مني، وأن ينتظر حتى أسحب ما تناثر من جسدي، وألملم الصحف والمجلات التي بعثرتها في طريقه، وقد عرض علي أن نتبادل المقاعد فتعللت بـ«فوبيا الطيران» وأن الجلوس بجوار النافذة يمكن أن يزيد من مخاوفي، فمقت الساعة التي جاءت بمثلي إلى جواره، وهو يطلب من المضيفة الحسناء أن تبحث له عن مقعد شاغر.

في الصحيفة التي انشغلت بقراءتها خبر عن «ريتا» و«كاترينا»، فسألته مازحا عن رأيه فيهما، ففكر، ثم فكر، ثم قال:

ـ «أنا لا أعشق الغربيات، فبشرتهن باهتة البياض تصيبني بالغثيان».

قلت: ولكن «كاترينا» سمراء، و«ريتا» ذات لون برونزي.

وحينما لمحت تفتح أساريره ناولته الصحيفة وانشغلت بتقليب صفحات جواز سفري، ولم أتنبه إلا على ارتطام الجريدة بساعدي وهو يجمع أغراضه لينتقل إلى مقعد آخر.

في تلك اللحظة تمنيت لو أن ذلك القس الإسباني الذي ابتكر شخصية «دون جوان» في القرن السابع عشر بغرض إصلاحي لم يخرج ذلك الجني من القمقم، فهذه طبعتها العربية نتعثر بها في الطائرات والأسواق والمجمعات التجارية، حتى أن أحدا من الناس قد ابتلاه الله بواحد من هؤلاء يشبه حمى المتنبي التي لا تزور إلا في الظلام، فما أن يغمض المسكين عينه كي ينام، حتى تنهال عليه مكالمات ذلك «الدون جوان» تبحث عن ليلى، وعبثا حاول إقناعه بأن لا وجود لليلى في غرفته الموحشة المجدبة من كل ما يتصل بالأنوثة، حينها اختار من الحلول أغلظها، وهو يستعين بصديق يمتلك موهبة تقليد الصوت الأنثوي تعامل مع ذلك «الدون جوان» على أنه ليلى، وضرب له موعدا للقاء، وحينما حضر الشاب تسبقه رائحة عطره، فتح له باب الغرفة ليتأكد بنفسه أن الأرض قفرة والخروج عسير.

[email protected]