أساتذة الفهلوة التاريخية!

TT

هناك ثلاث مدارس في كتابة التاريخ: مدرسة «ما قال لي وقلت له».. أي كلام ينسبه إلى زعيم مات، ولا يوجد أي دليل على صدق ما يقول إلا إذا كانت الثقة فيه تامة، فالمؤرخ يعتمد على رصيده من تصديق القارئ له.

ومدرسة «يا عوازل فلفلوا».. وهو أن يكتب التاريخ واحد ليغيظ واحدا آخر..

ولا اعرف أين توجد هذه المدرسة بوضوح في الغرب، ولكن عندنا في مصر موجودة ومنتشرة كأن تطلع السماء بالرئيس عبد الناصر وتهبط الأرض بالرئيس السادات.. أي من اجل إسعاد الناصريين ومضايقة الساداتيين أو العكس.. أي الكتابة عن السادات وتمجيده لإغاظة الناصريين أو الشيوعيين أو غيرهم.

وأساتذة هاتين المدرستين يجعلون الثقة في خطر وهم يعتمدون اعتمادا كاملا على مدى تصديق القارئ للكاتب. ومن المؤكد أن هناك عيوبا في كل خلق الله. والمبالغة في العيوب أو فبركتها هي التي تمتع القارئ..

أما المدرسة الثالثة فهي التي تعتمد على الوثائق الصحيحة، فهي مدرسة موضوعية علمية، لا تكتب إلا من وراء الوثائق الصحيحة.

فلاسفة الحضارة يفرقون بين نوعين من هذه الكتابة.. التأريخ ـ بالهمزة ـ أي الكتابة مع الاعتماد علي الوثائق أو السجلات الرسمية.. والتاريخ ـ من غير همزة ـ أي صياغة التاريخ بأسلوب أدبي خاص.. ومن بين هذه الصناعات تحويل الأحداث إلى قصص وروايات ومسلسلات، فهي صادقة في ما تعرض ولكن بأسلوب فني، حتى في المدرسة يرى بعض علماء التاريخ والمؤرخين انه لا يحق للكاتب أن يتصرف في ما حدث. صحيح انه كأديب لا يملك إلا أن يتصرف ولكنه في هذه الحال لا يكون مؤرخا وإنما هو فنان وهو حر، ومهما كان حرا فلا يحق له أن يجترئ على التاريخ أو يتجني ويحكم ويتحكم.. إلا إذا كان من رأيه انه يقتبس، ومعنى ذلك انه احتفظ للتاريخ بعطره وشذاه..

وتحتار أنت أية هذه المدارس ينتمي إليها الكاتب العربي الفهلوي ـ والفهلوة مدرسة رابعة ليست لها أبواب ولا نوافذ ولا فصول ولا مقاعد، وإنما هي تشمل في أحضانها كل الوطن العربي، مدارس بلا طلبة وإنما لها أساتذة فقط!