وما أدراك ما سبتمبر..!

TT

للسعوديين مع شهر سبتمبر أكثر من ذكرى، فهناك الحادي عشر من سبتمبر هذه الذكرى المشؤومة التي جلبت العار وحملت معها تهما وإدعاءات كبيرة، شغلت البال ولا تزال وباتت جزءا أساسيا في أدبيات السياسة والاجتماع والاقتصاد، وهناك طبعا سبتمبر الآخر وتحديدا الثالث والعشرين منه موعد مناسبة اليوم الوطني، التي يحتفل السعوديون رسميا بها هذه السنة بشكل غير مسبوق، وبدون مدعاة للخجل أو احساس بالذنب كما كانت عليه الأمور في السنوات التي خلت. وبين «السبتمبرين» مسافة كبيرة توضح الخط البياني الذي قررت السعودية السير فيه.

«فالحادي عشر» بات رمزا للتطرف والانغلاق والتعصب والعدوانية، وبات أيضا أيقونة لما يجب الخلاص منه، أما عن الموعد الثاني فهو عن اليوم الوطني، هذا اليوم الذي كان الاحتفال به مثارا للجدل والآراء الرافضة المتشنجة، وبات اليوم مصدر فرحة واعتزاز بالهوية ومحاولة رمزية لإحساس بروح غيبت، نتاج آراء عجيبة تعتقد ببدعية هكذا شعور وهكذا مناسبة. اليوم الوطني ليس مجرد يوم تغلق فيه المحال ويعطل فيه الناس، ولكنه اتفاق على عقد اجتماعي جديد يربط المواطن بدولته، عبر أطر من الحقوق والواجبات يتم تقنينها في اطار الصالح العام والولاء..

فكرة الوطن والمواطنة هي البلسم لداء التطرف والغلو الذي ابتليت به السعودية، وهو حتما قابل للتزكية والنمو اذا لم يتم مواجهته بجد وحزم. الوطنية تلك الكلمة التي كانت مثار تشكيك وسخرية حين الحديث عنها من قبل «فئة» في المحافل والمناسبات المختلفة. ولكن كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. العطلة الرسمية ليست آخر المطاف ولا أوله فيما يخص مطلب السعوديين في يومهم الوطني. إنها مطالب تصب في تكوين كيان سوي يليق بكافة المنتمين اليه، لا مكان فيه لتفرقة أو تمييز أو كره. إنها نفس المطالب التي يعاد تكرارها مرة بعد أخرى، ولكنها هي المطالب التي باتت تشكل طوق النجاة لمواجهة الأعاصير المحيطة. نعم بات من الممكن أن يجهر السعوديون بتهنئة بعضهم بعضا بيومهم الوطني، ولكن الأهم أن تكون هذه التهنئة هي رهان على غد أفضل للبلاد ومن فيها. هناك العديد من الدول التي تحتفل بأيامها الوطنية بترديد الأناشيد وإقامة المناسبات المختلفة، ولكن الأهم هو زرع أسس سليمة لتنمية روح المواطنة وهي اذا نجحت تغني عن ألف بيت من الشعر. البديل عن روح المواطنة وتنميتها السوية هو سبتمبرات سوداء أخرى تتواصل في خطف المستقبل بسوداوية وإراقة الأرواح بدموية بشعة. فلنخاف من تكرار ذكرى الحادي عشر من سبتمبر ونستبشر بحلول الثالث والعشرين من سبتمبر. وكل عام والجميع بخير.