كتاب وتوضيح

TT

جدل كبير وهرج ومرج صاحب قرار وزارة التربية والتعليم الخاص بسحب كتاب «صورة الآخر في فلسفة التربية الاسلامية». وحقيقة الأمر أن الوزارة لم توفق أبدا في توضيح موقفها بصراحة من الكتاب المذكور وتبيان الأخطاء التي وردت فيه بدقة بحسب ما صرحت به الوزارة نفسها وذلك بطريقة فيها القدر الكافي المطلوب من الحزم والوضوح مما يزيل اللغط والجدل. و كان الأحرى أن تتحرى الوزارة موضوع التصريح بالمنع وذلك بعرض أكثر دقة يبين الأسباب الحقيقية. وهذا أمر بالغ الدقة والأهمية وخصوصا أنه يأتي مع صدور كتاب آخر من قبل الوزارة نفسها بعنوان «بالتي هي أحسن»، دار عليه جدل ليس ببسيط هو الآخر أيضا. ومع اكتشاف أن الملاحظات التي وردت على الكتاب ليست بالضرورة «شرعية»، ولكنها ملاحظات وجيهة ينتظر الكثيرون من أطياف المجتمع السعودي تعديل ما هو مطلوب، ومن ثم إعادة توزيع الكتاب لضرورة استمرار الرسالة المهمة في ايصال مفهوم ومعنى الكتاب والفكرة التي يطرحها.

وفيما حدث عبرة مهمة يجدر الاستفادة منها والتمعن في معانيها بدقة. فالتصريحات هي أداة تواصل ما بين القطاع الرسمي وما بين المواطن وفي ظل اتساع دائرة الاتصال والتواصل عبر القنوات المتعددة، قد يبدو من المهم أن تؤسس وزارة التربية والتعليم نهجا تواصليا أفضل مما هو متبع، عبر تعيين متحدث رسمي وتطوير موقعها على الإنترنت، وتقديم بيانات واضحة عن خطط عملها ومشاريعها للعامة، فهي وزارة خدمة بامتياز وبالتالي مطالبة بأن يعرف أكبر قدر من المهتمين بشؤونها مشاريعها وتوجهاتها.

وما ينطبق عليها بطبيعة الحال ينطبق على غيرها أيضا بدون أدنى شك.

نعم هناك لغط قد حدث نتاج التصريح الذي أدلى به وزير التربية والتعليم بخصوص سحب الكتاب، إلا أن الأمر الأهم هو كيفية الاستفادة مما حدث بشكل ايجابي لضمان عدم تكرار ذلك مستقبلا بأي صورة من الصور. كل هذه ما هي إلا تجارب في مسيرة بناء الثقة بين الكيانات الرسمية بمختلف أدوارها وتوجهاتها، وما بين المواطن الذي يتعطش للمعلومة الدقيقة والسليمة، ولا يقبل إلا ما يحترم عقله ويراعي مصلحته، وبالتالي لم يعد هناك مجال لقبول بيانات وتصاريح ناقصة مليئة بالمعلومات الناقصة، والكلمات التي تشبه الأحاجي والألغاز والطلاسم. وزارة التربية والتعليم وزارة يعقد عليها السعوديون آمالا كبيرة وهي تحت أكثر من مجهر منها من ينتظر منها الوقوع بالخطأ ويتصيده لها ومنها من ينتظر أن تستمر في «ثلاجة» تجمد فيها كل الطموحات والآمال والأحلام. ولذلك كل كلمة أو إشارة تصدر من الوزارة تحمل أكثر من تفسير وأكثر من معنى لجماهير عريضة. الكتابان اللذان هما مدار بحث هما مجرد «مقدمة» منتظرة لما هو آت من قبل الوزارة فالناس عطشى لأفكار جديدة ومهمة فيها نهج التسامح والتأمل والمعرفة والممارسة في التعامل مع الذات ومع الآخر بعد سنوات من غياب هكذا فكر عن المجتمع التعليمي. ولذلك هذا الجدل الذي حدث مع الكتابين وما تلا ذلك مطلوب الاستفادة منه جديا في الاطروحات القادمة (ويجب أن تكون هناك اطروحات قادمة)!، ليستقبلها الناس بثقة ويقبلوا عليها بقوة. السعودية على موعد مع نقاط مهمة في مسيرتها المستقبلية، ونقطة الانطلاق الأهم في هذه المسيرة سوف تكون من الدائرة التعليمية ولذلك مطلوب تكثيف الجهد لإنجاح ذلك.