هناك فسحة رائعة من الأمل (3 ـ 3)

TT

اليوم يقودنا محقق بوليسي هو ميليس إلى نتيجة متوقعة سياسيا، سورية مذنبة. ومحكمة مجلس الأمن ستقر حكما مؤكدا عقوبات متسلسلة تفضي بعد فترة إما الى قبول دمشق بها قسرا. ومهما رفضت لن تستطيع الفكاك.

لكن هل نترك محققا يدير أزمة سياسية ضخمة متجذرة تاريخيا ومعقدة على سطح الأرض، كما عرضت مواصفاتها في المقالين السابقين؟ من المؤكد أن ميليس يستطيع وستبقى عقوبة قضائية على جرم جنائي، وسيظل الوضع الأمني متوترا في لبنان وفلسطين والعراق وستبقى اسباب الجريمة مستمرة من صراع على البقاء والنفوذ في المنطقة، مع تكرار سلسلة الجرائم.

مع ما يبدو لنا من خراب في الأفق الا انه يفتح باب الأمل في ان تقود ازمة اغتيال رفيق الحريري رحمه الله الى حلول لم نكن نحلم بحدوثها قبل ذلك في كل المربع العربي الشمالي، وقد ضربت مثلا بانسحاب القوات السورية من لبنان الذي كنا نظن انه مستحيل، وتحقيق السلام يتطلب لاعبين اساسيين كالولايات المتحدة ودول المنطقة العربية الرئيسية تقدير آفاق الازمة والاستفادة مما يمكن ان تفرزها.

الاميركيون يعتقدون ان سورية تمسك بعدد من الرهائن، وان كل الازمات تقود اليها. فمنها يتسلل المسلحون العرب والعراقيون الى داخل العراق. وبدمشق تستقوي التنظيمات والفصائل الفلسطينية الرافضة التي تعطل السلام محكمة حصارها على حكومة أبو مازن. ومن دمشق متصل الحبل السري بلبنان، وبه يتمترس حزب الله ويتخندق مقاتلو المخيمات الفلسطينية. هذا واقع قائم ليس منذ البارحة، بل لسنوات وسيستمر إلا اذا امتحن التحقيق الدولي في اغتيال الحريري لحل كل القضايا.

نحن أمام جريمة قبيحة باغتيال سياسي كشفت أوراقا وخلطت أخرى. الفرصة تقول لنا الا نعامل جريمة اغتيال الحريري كحدث جنائي وحسب بل نعالجها بشكل متكامل من خلال نظرة شاملة. العقوبات قد تؤدي بالقتلة الى السجن وربما الى سلسلة لاحقة من المضاعفات الأسوأ. الفرصة هي في منح دمشق فرصة للخروج من عش العنكبوت بما يفك ازمة كل الاطراف المتورطة، سورية ولبنان والعراق وفلسطين واسرائيل والولايات المتحدة، ولا اعني بذلك ان يغفر لمرتكبي جريمة اغتيال الحريري ذنبهم بل ان توقع بهم العقوبة بحل مماثل لما جرى مع ليبيا في جريمة اسقاط طائرة البان ام. الحل كان في استثناء النظام من العقوبة وحصره في الفاعلين مباشرة وربط القضايا السياسية بالنتيجة النهائية.

ختاما الفاتورة في نظري ستكون كالتالي: سورية تدفع الثمن بمعاقبة القتلة وانهاء ما تبقى من حضور خفي سوري في لبنان، وقطع الحبل السري مع المنظمات المعادية لمشروع السلام، حزب الله والجهاد وحماس، والقوى العراقية المعارضة المسلحة. وثمن ذلك ان يمنح المجتمع الدولي، لا الولايات المتحدة وحدها، دمشق الحماية من أي مشروع لاسقاط النظام أو زعزعة البلاد ومنح دمشق فرصة مفاوضات من أجل استعادة أراضيها المحتلة استكمالا لمشروع جنيف.

[email protected]