بعيد بعيد وحدينا مع هذه العجوز؟!

TT

بعد هزيمتنا في 67 أقمت معرضا للكتب عن الصهيونية واليهودية والقضية الفلسطينية وتنقلت به بين العواصم المصرية والعربية وكان اسم المعرض (اعرف عدوك).

والمعنى: أننا لم نعرف عدونا بدرجة كافية، فكانت هزيمتنا هي الثمن، وفي هذه الحرب نال كل منا ما يستحقه، هم عرفوا فانتصروا، ونحن لم نعرف فانهزمنا، إذن لا بد أن نعرف لأن الحرب لم تنته والثأر لم يتحقق.

وفي يوم الافتتاح أقمت ندوة أو حفلة تحولت إلى ندوة، وقدمت المعرض وما به من كتب، ورويت حكايات المضحك فيها يبعث على الأسى، فقلت إن زميلا صحافيا وقع في الأسر، وعاد ماشيا على قدميه من العريش إلى بورسعيد، ولما عاد سألناه فقال: والله أمة محمد بخير.

واستوضحناه فقال: طوال الطريق وجدت أناسا يقولون يا مصري تعال اشرب شاي، يا مصري باسم الله، تعال كل معنا، يا مصري.

وسألناه: من هؤلاء؟

فقال: لا بد أنهم مسلمون لا أعرف من أين جاءوا، أكثرهم أبيض اللون أزرق العينين.

ولم يعرف أن هؤلاء من اليهود، وأنهم لم يترفقوا به وإنما كانوا يسخرون منه، وكان حزنه عظيما عندما اكتشف الحقيقة، ولكن الذي اكتشفناه أخطر كثيرا من الذي عرفه، فهو لا يعرف اليهود، ولا يعرف أنهم من شعوب كثيرة، ولكن الصورة التي كانت لديه عنهم: هي أنهم قصار القامة طوال الأنف وفي أصواتهم خنافة وبس!

وكدت أفرغ من كلمتي عندما نهض أحد السادة المستمعين وقال كيف يسمحون لهذه العجوز أن تقول: بعيد بعيد وحدينا، بعيد بعيد أنا وأنت. إيه قلة الأدب دي، يا أخي غير معقول من واحدة شمطاء تقول مثل هذا الكلام الذي تذيعونه ليلا ونهارا، أريد أن اعرف ما المعنى وما المقصود، وأحمد الله أن السفير المصري يوجد هنا، وأن نائب رئيس الجمهورية السيد حسين الشافعي، أريد ردا!

هو يقصد أم كلثوم التي لم يفلح صوتها الجميل في أن ينسيه طولها وعرضها وتاريخ ميلادها وخلود الشعر والغناء والموسيقى.

ونظرت إلى نائب الرئيس وإلى السفير وقلت: آسف والله أنا لم أتصور أن من أهداف هذا المعرض أن نجعل أم كلثوم عدوا للعروبة والإسلام ثم أجيء هنا لأكشف حقيقتها التي خفيت على الناس في ليبيا!