تعرف أحدا في المطار؟!

TT

حين زارت صديقتي هونغ كونغ هي وأطفالها تحلف أنها ما خرجت من الفندق دون أن تحمل معها كيس زبالة صغير، حين سألتها عن السبب قالت أنه ما أن سقط منديل طفلتها على الأرض التي تحلف هي الأخرى أنه سقط منها سهوا حتى انشقت الأرض وخرج عليهم شرطي المرور مثل مارد علاء الدين، وحرر لهم غرامة نكدت عليهم يومهم، فهونغ كونغ الغالية لم يكن ينقصها في قائمة المصروفات بابا للغرامات.

من يشاهد كيف صارت صحارى بر «الثمامة» التي كانت حتى زمن قريب المتنفس الوحيد لسكان مدينة الرياض، ويشاهد كيف صارت تعج بالمخلفات من ورق البلاستيك الذي يتطاير في كل مكان، وبقايا الأكل والمناديل وأوراق الصحف يعرف أن قرار فرض غرامة بمائتين ريال، على رمي المخلفات في الشارع، قد جاء متأخرا لكن المثل الأجنبي يقول «إن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا».

إلا أن هناك مثلا عمليا يقول «القانون الذي لا يعمل مالوش لزوم»، أي مثل قلته، بل على العكس فإن بقاء الحال بدون قانون قد يعطي أملا بأن القوانين قد تنفع لإصلاح ما أفسدته الثقافة والإهمال المنزلي وتكريس المدرسين وقت الحصص لأحاديث الجهاد وقتل النصارى والكفار.

لماذا فشل قانون ضبط فتح المايكرفونات في المساجد على الأذان والإقامة فقط، والتي تشيع في أحياء تتقارب فيها المساجد وتتداخل فيها أصوات المؤذنين والخطباء فتشيع ضوضاء تعطل الخشوع وتلوث سمعي بتناقض مع طقوس العبادة والسكينة، ولماذا فشل تطبيق قانون ربط حزام الأمان الذي نادى بتطبيقه أعلى سلطة في البلاد، وزامنته حملة شعبية وحكومية فرحا بهذا القرار الذي تسبب إهماله بارتفاع عدد ضحايا المرور الهائلة في بلادنا، ولماذا حتى اليوم تقف في الشارع وتشاهد بأم عينك سائقا يفتح بابه ويبصق أمامك على الشارع دون أن يهبط شرطيا فوق رأسه ويكتب له الغرامة المالية.

التجارب السابقة لصدور قوانين وتنظيمات لم تلزم أحد ولم يذعن لها أصحابها من الجمهور هي أسوأ تجربة يمكن أن تترسب في وعي المواطن حيال فهمه لماهية القانون وقوته، خاصة حينما يجد أن هذا القانون هو مفهوم نظري ليس له تطبيق على الأرض، وأن احترامه، يعود لوعي الإنسان ودرجة يقظة الضمير لديه وحالته المزاجية، وتقديره لمصلحته حين تتعارض معها مصالح الآخرين.

المواطنون السعوديون في الخارج لا تكاد تعرفهم من شدة انضباطهم في الطوابير والالتزام بالقوانين في كل بلاد يزورنها، لكنك تعرفهم جيدا حالما تدخل صالة المطار في طريق العودة لأرض الوطن، حين تبدأ تسمع سؤال شائع بيننا:

ـ تعرف أحدا في المطار؟!

أملا في معرفة قريب أو صديق يساعده ليقفز فوق رأس القانون ذو القامة القصيرة في بلاده.

[email protected]