الناس.. جمال وخيول

TT

«الجمال خائبة، فهي تسير آلاف الخطى دون أن تبدي أية إشارة تدل على تعبها، ثم تقع فجأة على ركبتيها وتنفق، أما الجياد فهي تتعب تدريجيا، وتعرف دائما طاقتها، واللحظة التي يمكن أن توصلها إلى الموت».

منذ أن قرأت هذه السطور من رواية «الخيميائي» لباولو كويلو وأنا أحاول تقسيم الناس إلى «جمال» و«خيول»، وإن كنت قد وجدت أن الكثير من الناس أقرب إلى طبيعة الجمال من الخيول، فهم يركضون من صباح العالمين حتى ليل الكادحين من دون توقف وفجأة تجدهم يتساقطون تباعا ويموتون، فأنا أعرف رجلا مستقيما عاش حياته في كد وجد، فيذهب من بيته إلى عمله عبر شارع واحد فقط هو الشارع المستقيم، يأكل من رغيف واحد فقط هو الرغيف المستقيم، وحينما سقط على مكتبه في العمل سارت جنازته في خط مستقيم، وكتبوا على قبره «هنا يرقد الرجل المستقيم».

عكس هؤلاء الرجال «الجمال» يمكنك أن تجد رجلا مثل البير قصيري الروائي المصري الذي يكتب بالفرنسية، فهو يمجد الكسل والبطالة ويراهما على درجة كبيرة من الضرورة للتفكير، وقد أشار الزميل حسونة المصباحي في كتابته عن ذلك الرجل الغريب إلى أنه يعيش حالة تطبيق واقعي لأفكاره، فهو لا يستيقظ من نومه إلا ظهرا مهما كان الأمر الذي يفترض فعله صباحا، حتى أنه رفض أن يتسلم جائزة أدبية مهمة صباحا إن لم يتم تأجيل موعد تسليم الجائزة إلى الظهر، وأذعن الوزير الفرنسي احتراما لذلك الكسل اللذيذ، وقد بلغ كسل ذلك الأديب أنه لا يزال يقيم في نفس الفندق الذي حل فيه منذ قدومه إلى فرنسا في الخمسينات لأنه يشعر بالكسل أن يجمع أغراضه ويرحل إلى مكان آخر.

وكاتب هذه السطور قضى سنوات من حياته «جملا»، فدفتر الدوام الكئيب ظل ينشب مخالبه في أناملي سنوات طويلة تمردت عليه بعد ذلك تاركا له نصف قوتي ونصف النهار، واليوم أتمطى على فراشي في استرخاء وأنا اقرأ شعر أمل الجبوري:

«النوم رجل حكيم ليس سهلا أن يصل إليه الجميع

ينتظر ساعات على باب اليوم

حاملا أدواته السحرية

كي يغسل وجه المدينة بالخدر

يجمع الأجساد، يعلن وحدتها فيما ينهار الجدار

النوم يقوم بإخفاء القاتل والقتيل في جبته السوداء

النوم صمت، موت مؤقت

النوم فاكهة الليل السرية والنادرة».

والخلاصة: أن تكون جملا أو خيلا، فالأمر ليس دائما باختيارك، فقد يضطرك خبز الحياة أن تركض وتركض وتركض حتي ينبت لك سنام.. وليحمك الله من السقوط.

[email protected]