مشروع روسي لإنقاذ إيران من مأزقها النووي

TT

ستكون سياسة «التطهير» التي سيعتمدها الرئيس الايراني الجديد محمود احمدي نجاد، هي الأبرز، فعندما نجح في أول ثورة قام بها، عندما تم انتخابه في شهر حزيران (يونيو) الماضي، استغنى عن خدمات حسن روحاني رئيس الفريق الايراني المفاوض في المحادثات النووية، وعيّن مكانه على لاريجاني من فريق المتشددين، وكان ذلك مؤشراً واضحاً على أن هذا التغيير ليس محصوراً، بل ان احمدي نجاد سيلجأ الى تغيير السياسة الايرانية ككل. وعند تنصيبه رئيساً، في شهر آب (اغسطس) الماضي، أزالت طهران الاختام التي كانت وضعتها الوكالة الدولية للطاقة النووية على المفاعلات الايرانية، الأمر الذي دفع الدول الاوروبية الثلاث فرنسا، وألمانيا وبريطانيا الى تعليق المحادثات مع إيران. وأخيرا جاء «طرد» اربعين سفيراً ايرانياً مناصبهم بأمر من الرئيس.

يُذكر انه عندما اعلن احمدي نجاد تهديده بمحو إسرائيل من الوجود، تحركت آلته الاعلامية والسياسية للدفاع عن طرحه على أنه ليس بجديد، خصوصاً أنه يكرر اقوال مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله الخميني، وتجاهلت الآلة ان مثل هذه الشعارات ما كان يمكن لها ان تصدر في زمن الرئيس السابق محمد خاتمي، مما دفع بأحد الدبلوماسيين الغربيين في طهران، الى التعبير عن صدمته «برئيس الدولة الجديد الذي ينسف جهود ثماني سنوات استغرقها العمل على تحسين علاقات ايران الدولية وأضاف: «إنه لأمر جد محبط»، وكان الرئيس خاتمي عبّر عن ألمه، بعد ان صالح ايران مع المجتمع الدولي. وأعطى الطمأنينة لملايين الايرانيين الذين هربوا الى الخارج، ودفع الولايات المتحدة التي وصفها الخميني بـ «الشيطان الاكبر»، الى الاعتراف بخطئها في الانقلاب الذي قامت به عام 1953 ضد الدكتور محمد مصدق، وبعد دعوته الى «حوار الحضارات»، جاء احمدي نجاد وفي مدة اربعة اشهر ليقضي على كل شيء ويعيد ايران اكثر من ثلاثين سنة الى الوراء.

والآن مع «طرده» أبرز الدبلوماسيين مناصبهم. على ان تنتهي مدة عملهم في العشرين من آذار (مارس) نهاية السنة الايرانية، تبرع وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي بتوضيح هذا الاجراء فقال: «إن بعض السفراء وصل الى سن التقاعد وهم طلبوا إنهاء مهامهم، وبالتالي سيحل مبعوثون جدد في مكانهم.. ومضى متقي الى وصف الاجراء «بالطبيعي».

الاسبوع الماضي وفي احدى المناسبات التقيت صدفة بأحد السفراء الايرانيين الذين تم استدعاؤهم، ولما سألته عن صحة الخبر أجابني: لم يتم استدعائي، بل ان الرئيس طردني... وكان هو يبحث عن السبب رغم انه متأكد من نجاحه في مهماته الدبلوماسية وذلك باعتراف وزارة الخارجية الايرانية بالذات، ثم قال: إن الرئيس يريد سفراء يمثلونه شخصيا، وأنا كنت أمثل ايران ومصالحها العليا،وأضاف، ان هناك إجراءات في ايران لتعيين سفير او لاستدعائه، لكن احمدي نجاد اختصر كل الاجراءات بجرة قلم!

لذلك ليس صحيحاً ما قاله وزير الخارجية الايراني، خصوصاً في ما يتعلق بانتهاء مدة خدمة بعضهم، إذ لم يمض ِعلى تسلّم السفير محمد قاسم علي مهام منصبه في ماليزيا أكثر من ستة أشهر. كما ان السفير الايراني في بريطانيا محمد حسين عادلي لم يتمم السنتين من مدته. ولم يبلغ الكثير من السفراء «المطرودين» سن التقاعد بعد.

بين من شملهم قرار الرئيس احمدي نجاد، سفير ايران في الامم المتحدة محمد جواد ظريف، لكن الوزير متقي اسرع وفي ظرف 24 ساعة، الى اعادة تعيينه. لأنه أدرك ان سحب ظريف سيكون بمثابة ضربة للآمال الايرانية بمواصلة المحادثات مع الولايات المتحدة، لأن ظريف كان اساسيا في المحادثات التي جرت خلف ابواب مغلقة في واشنطن عام 2001، والمتعلقة في تشكيل اول حكومة في افغانستان بعد الاطاحة بنظام طالبان هناك، وأيضا في المحادثات التي سبقت غزو العراق. ومن السفراء الذين طالهم التطهير محمد رضا البورذي. سفير ايران لدى الامم المتحدة في جنيف، وهو كان في الفريق الايراني المشارك في المفاوضات مع الترويكا الاوروبية، التي جرت هذا العام في باريس، وكانت برئاسة روحاني. ومع مراجعة لتاريخ هؤلاء السفراء يتبين انهم جميعاً من المعتدلين والذين كان لتوجهاتهم المرنة بعض التأثير على السياسة الايرانية الخارجية.

ليس معروفاً كيف سيخوض احمدي نجاد كل معاركه دفعة واحدة، وكيف سيحقق انتصاراته!.

ويقول العارفون. ان نداءه بمحو اسرائيل من الوجود، ليس وليد عدم خبرة، بل تعمّد ذلك ليخفف من تركيز الايرانيين على المشاكل الاقتصادية، والسياسية. والاجتماعية التي تفاقمت منذ مجيئه الى الحكم، وقد ظهر هذا مع انهيار سوق البورصة، وهرب مئات ملايين الدولارات الى الخارج، وكذلك مع عدم قدرة الرئيس على دفع مجلس الشورى الى الموافقة على اختياره اربعة وزراء من الموالين له، وبينهم وزيرا النفط والثقافة الوطنية.

ويضيف العارفون أن المناخ العام في ايران محبط، وان تململ الناس الى ازدياد عكس ما كانت عليه توقعات الناخبين، وان الرئيس وحكومته الضعيفة بدأوا يلجأون الى اغلاق مواقع الإنترنت والتشويش على المحطات الاذاعية والتلفزيونية الغربية. وإذا راجعنا بعض الدراسات المتعلقة بإيران، نجد أنها تواجه مشكلة سكانية حيث ان نسبة العجائز الذين سيكونون على مسؤولية اولادهم او الدولة سترتفع من 7% اليوم الى 28% عام 2050. وإذا كان احمدي نجاد وبعض الزعماء العرب يريدون مواجهة الولايات المتحدة. ويرون ان اوروبا بدأت في مواجهة الازمات، فمما تجدر الملاحظة اليه. ان الدول الاسلامية تواجه مستقبلاً غير ابيض. فمتوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة يصل الى 40 الف دولار سنويا، وهناك اقتصاد متنوع، أما متوسط دخل الفرد في ايران فيبلغ سبعة الآف دولار، والدولة تعتمد على عائدات البترول. وتقول احدى الدراسات إنه بعد عام 2020 لن تكون ايران قادرة على تصدير النفط. من المؤكد ان احمدي نجاد يدرك ان الحياة التي يعيشها الايرانيون لن تستمر على منوالها، لهذا اقترح اتخاذ اجراءات جذرية. ففي برنامج اعلن عنه في 15 آب (اغسطس) الماضي، اقترح مواجهة هجرة سكان القرى الى المدن، ووضع خطط لتقليص عدد القرى الايرانية من 66 الف قرية الى عشرة الاف فقط، بحيث ينقل 30 مليون ايراني من اصل 70 مليونا، من قراهم الى مناطق اخرى. وحسب الدراسات فإن ايران خلال عشر سنوات لن تتوفر لديها المصادر لتأمين البنية التحتية لخمسين الف قرية يسكنها العجائز والفلاحون، وكرد على هذا الوضع يفكر احمدي نجاد في إعادة الهندسة الاجتماعية لبلاده بهذه الطريقة، او بطريقة «اعلان الحرب، او الدفع الى حرب لو استطاع».

لكي ينتصر احمدي نجاد عليه «معاقبة» ليس الغرب فحسب، بل الذين عارضوه في الداخل وعلى رأسهم رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني. بتهمة وضع العراقيل امام تشكيل الحكومة، غير أن المعلومات تقول إن المجلس هذا صار يتمتع بسلطات واسعة، وان الملف النووي انتقل من مكتب الرئيس الى مكتب رفسنجاني، ومع انتقاله دعت ايران الترويكا الاوروبية لاستئناف المفاوضات، فيما كانت خطة روسية لحل الازمة قد وصلت. وتقضي الخطة بتخلي ايران عن كل الانشطة النووية. والسماح لها بتصنيع وإنتاج اليورانيوم الخفيف «تيترافلورايد» في مفاعل اصفهان، على ان يُنقل الى روسيا لتحويله الى اليورانيوم «هيكسافلورايد»، في مصنع روسي ـ ايراني مشترك. (ايران تريد المصنع فوق اراضيها).

المسؤولون الروس والإيرانيون لم يعلقوا رسميا على الاقتراح الروسي، الذي يمكن ان يجد مخرجاً لإيران من الازمة النووية، لأنه يسمح لها في إنقاذ ماء الوجه والاحتفاظ بعلاقات مقبولة مع الغرب والأمم المتحدة. واللافت في توقيت المشروع الروسي انه جاء بعد صدور قرار مجلس الأمن المتعلق بسوريا، وقبل انعقاد مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة النووية، الذي قد يُعرض قراره على مجلس الأمن لاتخاذ عقوبات بحق طهران، وتشاء الصدف. ان روسيا لم تعلن عن مشروعها، إلا بعدما رفضت في ايلول (سبتمبر) الماضي دعم قرار اوروبي ـ اميركي ضد ايران، وبعد ان اتفقت مع ايران على مشاريع ضخمة للتنقيب عن النفط، تبلغ كلفتها حوالي 10 مليارات دولار!