طيب.. وبعدين!

TT

تثير أخبار تعذيب الأطفال، التي تنشرها صحفنا، استياء الكثير، فهذه فتاة تضرب بأسلاك الحديد وتعذب، وفتاة أخرى تذبح كالخروف بالسكين، وهؤلاء أطفال يدخلون المستشفيات يوميا جراء أعمال عنف قام بها والداهم، ويبقى الخبر ناقصا، لأنه لا ينتهي بمعرفة تصنيف هذا النوع من السلوك الذي تقشعر له الأبدان، لأن الفاعل هنا هو الأب. ولا يعرف القارئ ماذا سيلاقي هذا الأب المجرم، فالقضاء حياله في حيرة من أمره. صحيح أن القسوة شيء غير مستحب لكن ماذا سيحكم القضاء ضد أب يعذب ابنه، وهل هناك ما يثبت أن الأطفال ليسوا أملاكا خاصة للأب، يذبحهم أو يضربهم، أو يتملك مالهم، أو يمنع زواجهن إن كن أناثا؟! أربعة أطفال عثرت عليهم صحيفة يومية في الصحراء، يشاركون الغنم في سياج، بعد أن هجرتهم أمهم، وهي من بلاد عربية، لم تطق الحياة مع ساعي المدرسة المتزوج بثلاث، فما وجد الأطفال بعد هجرة والدتهم لبلادها من يحن عليهم غير غنم في البر. فجمع المحسنون لهم صدقات واشتروا لهم بيتا، عدا ذلك فلا يحق لأحد أن يحاسب أبا يترك ابناءه بصحبه الغنم ليل نهار، ولن يمنع قاض بعد الحادثة ساعي مدرسة من الزواج المتعدد، بحجة أنه حق يكفله الإسلام، وبعد هذا الحق تتوقف الحقوق الأخرى.

الحكايات، التي تنشرها الصحف من باب إيقاظ الرحمة في القلوب، ومن باب التحريض غير المقصود لاتخاذ أجراء أو تنظيم يكفل حماية مثل هؤلاء الأطفال، ليست سوى عينة بسيطة من حكايات يقف المجتمع حيالها حائرا يتساءل «طيب وبعدين!».

في أقسام الطوارئ في المستشفيات يدخل أطفال وهم مصابون بحالات كسور أوغيبوبة وأحيانا اعتداء جنسي، يتستر عليه الآباء بحجج يهتك سرها أول كشف طبي. أما الحالات التي في البيوت والتي لا تصل للمستشفى ولا للصحافة، فهي أكثر بؤسا. حدثتني موظفة تعمل في مجال العمل الخيري، تقوم بزيارة البيوت المستحقة للإعانات والصدقات فوجدت أبا يتسلى بوضع المسدس على رؤوس أطفاله الستة، مهددا الأم التي لا تتجاوب مع ما يطلب، سائلا إياها ومسدسه يتنقل بين رؤوس أطفاله: أقتل هذا أم هذا أم هذا؟ ورؤوس الأطفال مطأطأة بانتظار أما نهاية اللعبة كالعادة أو نهاية حياتهم هذه المرة.

هذا الأب يتعاطى المخدرات ويدخل السجن مرات ويخرج، ويعذب أطفاله، حين تعرضت زوجته لحادث مع أولاده وماتت لم يستطع أحد أن يرفض حقه في دفن زوجته، خاصة انه حلف أيمانا مغلظة ألا يدفن زوجته غيره، واحتفظ المستشفى أياما بجثتها في الثلاجة لحين إنهاء إجراءات السماح بخروجه من السجن لتمكينه من حقه في زوجته حتى وهي جثه هامدة، بينما ظلت حقوق الأطفال والزوجة تهدر كل يوم وليلة على مرأى ومسمع من الشهود موظفي الجمعيات الخيرية، والجيران من دون أن يعرف أحد جهة تحفظ حقهم.

ما ورد أعلاه شرح طويل يشبه سوالف أمي مع جارتها، اعرف لكنني اضطررت له لأدلل أن معظم من يسمع حكايات العنف ضد الأطفال والزوجات يظن أنهم ممتلكات شخصية للرجل يفعل بها ما يشاء، إن ضل ضلت وإن صلح صلحت لا يملك القانون حيالهم غير أخذ التعهدات، لكن المصيبة التي حدثت منذ أشهر، هي أن ولدا قرر أن يوقف مسلسل التعذيب الذي يمارسه الأب على عائلته ويفتدي العائلة بأن يقتل أباه ليريح أمه وأخوته من جحيم يومي، هنا فقط أصبح الأمر جريمة وقيد الابن إلى المقصلة وحوقل المجتمع وقال خربت الدنيا ابن يقتل أباه!

[email protected]