معركة تونس

TT

منذ ما ينيف عن الستة أشهر والكثير يكتب حول قمة المعلومات المنعقدة الآن في تونس. المعركة لها جوانب مختلفة من سياسية وأمنية واقتصادية وتقنية، سبقتها اجتماعات عديدة تحاول وضع خريطة عالمية للإنترنت توزع المهام والغنائم.

ويماثل مؤتمر تونس مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 الذي أسس للأمم المتحدة ووضع اسس العلاقة الدولية، ورتب لقواعد التعامل بين البلدان. ويدلل عقده والاهتمام به خطورة التغيرات التي يمكن ان تحدثها ثورة الاتصالات التي توجت إلكترونيا على نطاق واسع منذ التسعينات، وظلت بدون تنظيم فصارت نهباً للشركات القوية وكذلك مرتعاً للتنظيمات الخارجة على القانون.

والمؤسف جدا ان حكوماتنا لم تتحرك لمواجهة أخطار الفوضى والاستغلال الذي تسلل الى الإنترنت إلا بعد أن أعلنت الحكومات القوية أن العرب نقلوا أمراضهم من كراهية وإرهاب الى الإنترنت، وانها لن تسمح بترك الحبل على الغارب كما فعلت من قبل في قضايا التعليم والجمعيات الخيرية. ونقول انه مؤسف، لأن المؤسسات الرسمية العربية دائما تصل متأخرة بعد خراب اوضاعها، فتريد اصلاحها. فهي نجحت الى حد كبير في منع الإنترنت من ان يصبح مرتعا لتجارة الجنس، لكنها تساهلت في القضايا الارهابية وطروحاتها، كما فعلت قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر.

العديد من الأحداث الماضية كشفت عن وجه قبيح للإنترنت في منطقتنا، التي يفترض انها أكثر مناطق العالم حاجة لهذه الوسيلة من اجل التطوير والتنمية، ليستخدم عوضا عن ذلك في إشاعة الكراهية. فالغالب اليوم إلكترونيا تثقيف المواطن العربي ضد السنة والشيعة والدروز والمسيحيين وأهل الفرق والأديان الأخرى، وبلغ مرحلة لم يعرف لها مثيل من قبل، حتى في زمن الحروب الدينية الصريحة. هذه هي بضاعة دكاكين الإنترنت اليوم بكل أسف، لا تستخدم من أجل المشاركة في درس علمي او تنمية مدارك الاطفال او الاجابة على حاجات الناس المباشرة، وكذلك من اجل الترفيه عنهم.

الإنترنت اليوم يلعب دور المهيئ لحروب المستقبل القريب والتي تطل بوجهها البشع من خلال ما نراه من عمليات ارهابية. فمعظم ما اصاب المجتمعات الحديثة على الارهاب بدأ من شاشة الكومبيوتر، كما رأينا في حال بريطانيا، وكذلك احتمال توسيع دائرة الشغب في فرنسا بالترويج له وتنظيمه عبر الإنترنت. اما ما يحدث في منطقتنا فهو أمر يصعب شرحه، من محاولات صريحة لتوسيع دائرة الحرب في العراق الى كل الدول المجاورة، من خلال مواقع إلكترونية تجاهر بدعواتها القتالية والفكرية المعادية. فمنطقتنا رغم فقرها لم تبخل على المتطرفين بالمواقع الإلكترونية، ولم تستطع حكوماتنا رغم خوفها من الارهاب، أن تحد من قدرتهم على الوصول الى اكبر عدد من مواطنيها.